«عملية ثعلب الصحراء 2»

تم نشره الأربعاء 13 حزيران / يونيو 2012 12:57 صباحاً
«عملية ثعلب الصحراء 2»
عريب الرنتاوي

يُعتقد على نطاق واسع، أن الادارة الأمريكية المنخرطة في صراع انتخابي مرير، لن تكون في وارد “تدخل عسكري واسع النطاق” في سوريا وضد نظامها...هذا مبعث قلق وتوتر عند خصوم النظام وحلفائهم، ومدعاة للطمأنينة عند النظام وأصدقائه....وهي فرضية لها ما يبررها على أية حال، وهي تفسر الى حد كبير، لماذا تتجنب واشنطن حتى الان الحديث عن “خيار عسكري” على الطريقة الليبية؟ ولماذا تفضل عليه، سياسة “فوق الصفر تحت التورط”؟ بمعنى دعم المعارضة بوسائل “غير فتّاكة”، وتسهيل قيام “طرف ثالث” بمهمة التسليح والتمويل والتدريب والتهريب.

لكن دخول الأزمة السورية بقوة على خط “الحملات الانتخابية الرئاسية” في طول الولايات المتحدة وعرضها، فضلاً عن بلوغ العنف والعنف المضاد حداً لا يطاق في سوريا، وتزايد ضغوط بعض العرب والأتراك والأوروبيين لاتخاذ اجراء عسكري، قد يدفع واشنطن للتخلي عن بعض حذرها وتحفظها، والانتقال خطوة الى الأمام على طريق “التورط” في “رمال الأزمة السورية المتحركة”.

الأسباب التي منعت واشنطن حتى الآن من اللجوء الى الخيار العسكري عديدة، منها أن سوريا ليست ليبيا، هنا ظل النظام والجيش موحدين، وهناك حصل الانقسام الأفقي والعامودي...هنا انقسم المجتمع الدولي والاقليمي حول سوريا، وهناك توحدا ضد القذافي...هنا الجيش السوري يمتلك طاقة بشرية وتسليحية وقوة نيران هائلة، وهناك بدا الجيش الليبي أضعف من أن يتصدي لهجوم بري تشادي متواضع...هنا الفسيفساء الطوائفية والأقوامية تجعل التدخل كارثياً، وهناك لم تكن تباينات المناطق ولا تزاحمات العشائر والقبائل بالأمر المقلق استراتيجياً...هنا تقبع اسرائيل في قلب الحسابات والمعادلات، وهناك ثمة صحارٍ وقفار تفصل الدولة العبرية عن جماهيرية القذافي العظمى.

من الأسباب الموجبة لعدم التدخل أيضاً، أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خاض حملته الانتخابية الأولى لرئاسة الولايات المتحدة تحت شعار: “الانسحاب من حروب الجمهوريين غير الضرورية، واعادة الجنود الى بيوتهم”، وهو اليوم يستخدم “منجزه” الوحيد في العراق، والذي تواضع الى حد الاكتفاء بالانسحاب (رضيت من الغنيمة بالاياب)، من أجل الحصول على أصوات الناخبين مرة ثانية، ومن باب أولى فإن الدخول في حرب كونية ثالثة (في غضون عقد واحد من الزمان)، لن يكون عملاً حكيماً على الاطلاق.

هذه الأسباب تفسر الموقف الأمريكي حتى الآن، أي منذ اندلاع الأزمة السورية قبل خمسة عشر شهراً وحتى يومنا هذا...لكن الحال قد لا يظل على حاله، وما كان يُعدّ ميزة لأوباما قد يرتد ويصبح عبئاً عليه وعلى حملته الانتخابية الصعبة ضد ميت رومني...وتاريخ الانتخابات الأمريكية يؤكد أن “الغاية تبرر الوسيلة” وأن التخلي عن المبادئ وتبديل المواقف، بل والدخول في “حروب غير ضرورية” قد يكون مباحاً و”حلالاً” ان كان سيترتب عليه، تعبيد الطريق للمكتب البيضاوي في البيت الأبيض.

لكننا مع ذلك لا نعتقد أن واشنطن ستذهب الى حرب شاملة جديدة في سوريا وضد نظامها، أقله حتى الانتخابات المقبلة، بيد أنها في المقابل، قد تخرج عن سياسة “فوق الصفر تحت التورط”، ما يفتح المجال للتكهن بأن “عملية ثعلب الصحراء 2” قد تكون خياراً بديلاً وممكنا قبل الانتخابات وعشيتها.

في العام 1998، شنّ سلاحا الجو والصواريخ، الأمريكي والبريطاني، هجوماً منسقاً على العراق، استهدف بناه التحتية وتجمعات الجيش العراقي ووحداته الضاربة...العملية استمرت لأربعة أيام متتالية، لم تنته الى سقوط نظام صدام حسين، ولكنها أوجعته تماماً، ومهدت لتعاونه اللاحق مع فرق التفتيش الدولية، وبقية القصة معروفة، وصولا ليوم التاسع من نيسان/أبريل 2003.

واذا ما تأكدت أسوأ مخاوفنا، فان عملية كهذه ضد سوريا، ستنتهي الى ضرب العمود الفقري للجيش السوري، وقد تتسع لتطال مؤسسات النظام الأمنية، وربما البنى التحتية للدولة، وسيكون السيد أوباما قد ضرب أكثر من عصفور بحجر واحد: ضرب النظام السوري ولم يدخل في حرب شاملة على سوريا...تفادى ضغوط الضاغطين من دون أن يسمح بانزال جندي أمريكي واحد على اليابسة السورية...قطع لسان رومني وأركان حملته الانتخابية، و”زايد” على أكثر المحافظين الجدد تطرفاً وتشدداً، ظهر بمظهر الزعيم القوي الحاسم، بخلاف صورته كزعيم ضعيف ومتردد وحالم...أعاد الاعتبار لمحور واشنطن وحلفائها في المنطقة، وربما مهّد الطريق لعملية ضد ايران، ان لم تستوعب طهران درس “عملية ثعلب الصحراء 2”، فهل يفعلها أوباما؟...هل تتجه السياسة الأمريكية نحو خيار كهذا؟...هل انتهت صلاحية نظرية “فوق الصفر تحت التورط”؟...أسئلة برسم الأيام والأسابيع القليلة المقبلة.
( الدستور )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات