زيتون غير صالح
قال تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مّن طِينٍ. ثُمّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مّكِينٍ. ثُمّ خَلَقْنَا النّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
إن من مبادىْ الإسلام الاجتماعية الأولى تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة ، وأولى الناس بذلك الأقربون رحما ، فلهم حق أخوة الإسلام ، ولهم حق قرابة الرحم.
وإن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب ، وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة في بعض المجتمعات أن نسمع أن أحد الوالدين اضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده. ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية . وتكون قطيعة الأرحام تكون بهجرهم ، والإعراض عن الزيارة المستطاعة ، وعدم مشاركتهم في مسراتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، كما تكون بنفضيل غيرهم عليهم في التواصل والعطاءات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.
قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) .
وقاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ، ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
قال لي احدهم، هل تصدق ان رجلا بلغ من العمر عتيا وغزا الشيب مفرقه،واصيب بامراض مختلفه قاطع امه واخوته واخواته واقرباءه وعاش وحيدا حتى ان والدته فارقت الحياة ولم تعلم اخباره واخبار بيته وزوجته، بل انه يزوج بناته ويخجل احضار امه الى العرس خوفا من كشف اكذوبته الكبرى ومعرفة اصله وفصله امام من اعتبرهم افضل من اهله، وكان يعتبر نفسه متعاليا عليها حتى انه كان يستحي ان يذكر سيرتها امام اصدقاءه، وبعد موتها لم يتقدم احد لتعزيته بها، لانه اخبر الناس بوفاتها قبل ذلك لانه خجل ان يعرفوا امه التي ربته واخوته واخواته بعد موت والده تكتسي ثوب العز التراثي المطرز وهي فلاحه بينما هو خرج من القاع الى ان اشترى بيتا لا يعرف مكانه احد ، وتخلى عن اخوته واخواته، ومقاطعا بالسنوات، وهو قريب منهم، تحت حجج واهية لا تصدق، لا يريد احد ان يعرف مكانه سكنا وعملا، دائم الشكوى، دائم المرض او التمارض، قليل الايمان بما قدره الله له ولا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب، اصدقاءه سبقوه واصبحوا في مناصب محترمه، وهو ينظر اليهم بازدراء، زور حياته مع زوجته وبناته واصحابه حتى مؤهلاته لم تسلم اشترى شهاده جامعية ليرتقي بها.
يقول لي هذا الشخص، ان هذا الرجل كان مثل الزيتون اخضرا طوال العام، الا انه فقد بريقه، حتى انه يعيش في اكذوبة كبرى، عن اصله وفصله وافهم زوجته وبناته بانه انسان من عالم اخر، كل حياته مكركبه، لانه اعق والدته. ( أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ لِيَوْمٍ عَظِيمٍ، يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟)
كان يبحث عن الجمال والحنان والامال والحرية فلم يجدها الا عند هبوب نسيم الصباح يكون وحيدا يتذكر كم كانت امه حليمة عليه وانه لم يعد محمودا عند احد، واني احمد الله ان عافانا من ذلك، وكان ابناء وبنات اخوانه واخواته متشوقين له مثل ابناء يعقوب عليه السلام عندما عادو الى فلسطين حيث اباهم متشوقين لرؤيته.
كان هذا الرجل يسرد قصته وقد افزعتني حاولت ان اجد مبررا واحدا لما يفعله فلم اجد فعلمت بان الاشجار قد تكون دائمة الخضرة، ولكنها رويت بمياه المجاري الفاسده وثمرها وان كبر فانه غير صالح حتى لو كانت شجرة زيتون.