( الرّبيعُ الأردنيّ ) بين الدّعوة السّلفيّة و ( الإخوان .. )

تم نشره الأحد 17 حزيران / يونيو 2012 12:59 صباحاً
( الرّبيعُ الأردنيّ ) بين الدّعوة السّلفيّة و ( الإخوان .. )
سعيد النواصره

 


إنّ الحمدَ لله تعالى ، نحمدُه ونستعينه ونستغفرُه ، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أمّا بعد
فقد مضى أكثرُ من عامٍ ونصف على بدءِ ( الحراك الشعبي ) في بلدنا الأردن – حماه الله - و الذي ينادي بالإصلاح ، ومحاربة الفساد ؛ ومعروف أنّ هذه البداية قد تزامنت – إستراتيجيّا ! - مع حدوث الثورات في بعض البلدان الرّبيعيّة العربيّة وما نجم عنها من تبعات لا زالت الشعوب – هناك – تعاني آثارها الماثلة أمام العيان حتى الآن .

هذا ( الحِراك ) قد افتقد مع بداياته إلى التنظيم والرؤى الواضحة في المطالبات والوسائل المستخدمة من قبل الإخوان ( دعاة الإصلاح ) في تبليغ مطالبهم لأصحاب القرار كما يسمونهم ؛ وليس من المبالغة القول : أنّ هذه الصفة – وأعني : فقدان التنظيم والرؤى – لم تَزلْ هي الغالبة على تحركاتهم بشكل عام ، فهي لا تخرجُ – إطلاقاً – عن الوسيلة ( الأشهر ! ) عند ( شعوب الديمقراطيّة ! ) ألا وهي ( النزول للشارع ) كقوة ضاغطة على الحكومات لتحقيق المطالب المحصورة – فيما يبدو لنا - بالإصلاحات السياسيّة ، ومحاربة الفساد ، ومحاسبة أصحابه ، وتحسين ظروف المعيشة المادّية للمواطنين .

إنّ الإصلاحَ ، واستئصال شأفة الفساد لهو مما جاء به الأنبياء والرّسل – عليهم السلام - ومن أهم ما دعوا الناس لأجْله ؛ بل إنّ حدوث الفساد هو ما خشيته ملائكة الله – عزّ وجلّ – من انتشار ذريّة آدم – عليه السلام – في الأرض { وإذْ قالَ ربُّك للملائكة إنّي جاعلٌ في الأرضِ خليفةً قالوا أتجعلُ فيها منْ يُفْسِد فيها ويسفكُ الدّماءَ ونحنُ نسبّحُ بحمدكَ ونقدّس لك قالَ إنّي أعلمُ مالا تَعْلمون } .

وأمّا ( تحسينُ الظروف المعيشيّة ) ؛ فإنّ من مقاصد الشريعة الإسلاميّة الخمسة هو ( حفظَ النّفس ) ؛ وهذا من مستلزماته – كما هو معلوم – توفير القدْر الكافي والمتوازن من الطعام والشراب ، والمسكن ، والملْبس ، والحماية من الضرر ، وصيانتها من المكروه ؛ فجاء الإسلام يحضّ على العمل فيما أحلّه الله – تعالى - ، والاعتدال في المأكل والمشرب والملْبس ، والادّخار ، وكذلك فرض الزكاة على الأغنياء وصرْفها على الفقراء ، وحثّ على الصدقات ، وحرّم قتْل النفس إلا بالحقّ ، والانتحار ، والإلقاء بها إلى التهلكة ؛ والنصوص في ذلك متوافرة كثيرة .

نتّفقُ جميعاً على أنّ الواجب الشرعي هو ( إنكار الفساد ) ، وبغض أهله ، وضرورة مُحاسبتهم وعقابهم ، ونتّفق على إرادة الإصلاح ، والسعي نحو التغيّر ( الإيجابي ) قدْر المُستطاع ، وإعطاء كلّ ذي حقّ حقّه .. ؛ لكنّ الخلاف – مع الأسف - ( كبيرٌ جداً ) بين فئات الشعب الأردني في تحديد الفساد الأولى بالإنكار والعلاج ، وماهية ( السبيل الصحيح ) إليهما ، و يختلفون أيضاً في ( رؤاهم الإصلاحيّة ) ، وشكل التغيّرات الإيجابيّة المطلوبة .

ليس ثمّة شكّ في أنّ الفساد متعدّد ، وله صورٌ كثيرة ، وأشكال متغايرة ؛ مُخطئ من ( يختصره ! ) في صورة منفردة ، أو ( يحْشُرُه ) في زاويةٍ واحدة ، أو يجْعله على نفْس الدرجة من التأثير والعواقب ؛ فمن أصناف الفساد : خيانة الأمانة ولها صور كثيرة ، وانتهاك حرمات الله – تعالى – والتهاون في الفرائض والطاعات ، وإثارة الشهوات والشبهات ، والإصرار على المعاصي ، وهجْر السّنة والابتداع في دين الله ، وغير هذا مما استشرى – اليوم – في جسد الأمّة .
وبناءً على هذا يتفرّق ( الفاسدون ) : بين رؤساء أو مسؤولين ومرؤوسين ، و بين ( علماء سوء ) وعوام ، وبين أغنياء وفقراء ؛ لكنّهم ( يجتمعون ) في النهاية بكوْنهم سببَ ظهور الفساد العام الذي أخبر به ربُّ العزة : { ظَهرَ الفسادُ في البرِّ والبحْرِ بما كسبت أيدي النّاس ليُذيقهم بعْضَ الذي عملوا لعلّهم يَرْجعون } .
وإذا كان الأمرُ على هذا النحو ؛ فإنّ أيّ ( دعْوة للإصلاح ) يتحتّم عليها اعتبار الحيثيّات التي تحْتفُّ بكلِّ نوع من أنواع الفساد ؛ سواءٌ من جهة المكان الذي يوجد في الفساد وزمانه ، والأشخاص الذين يصدر منهم ، أو مدى تأثيره على المسلمين في دينهم ودنياهم ، واختيار الطريقة المثلى لعلاجه أو إنكاره ، والضوابط الشرعية لذلك كلّه ؛ وهذا يقتضي – بلا شكٍّ – أن يكون دعاةُ ( الإصْلاح ) من أهل العلم والبصيرة والدراية والاختصاص ؛ ولا يُتْرك الأمر مَشَاعاً بن الناس ؛ فيحدث من المفاسد ما هو أعظم من فوات المصالح ، وقد نبكي في غدٍ على ما نبكي منه اليوم ؛ وقد قيل : منْ نظَر في العواقبِ سَلِمَ منَ النّوائب .
الحراك الشعبي في الأردن :
الأردن بلدٌ طيّبٌ مبارك - فضْلاً من الله – مُسْتقرٌّ آمن ؛ رغم ما يعتريه – كثيراً – من النائبات ، ورغم ما يعانيه من قلّة الموارد و الإمكانات ؛ وكذلك مما يعاديه من عظيم المشكلات ؛ وإنّ من هذا – لا على سبيل الحصر – دخولَ آفة الفساد على بعض من يتولى شؤون الناس من الوزراء ، والمدراء والموظّفين ، وهم الذين نسمّيهم – اصطلاحاً – ( المسؤولين ) ؛ وعند الله – هم – كذلك ؛ وهذه الآفة لا يسْلم منها بلدٌ ؛ مع اختلاف الصّور ، وفارق القدْر والأثر .
تركّزت مطالبات ( الحِراك الشعبي ) على هذا الجانب ( أعني : الفساد ) بشكلٍ لافت للأنظار ؛ ورافق ذلك شعارات تنادي بالإصلاح الدستوري وما إلى ذلك ؛ ثمّ كان يطفو على السطح – من حين لآخر – أهدافٌ سياسيّة بحتة كـ ( إصلاح النظام ! ) و ( استرداد سلطات الشعب ! ) .
وأمّا ( دعاة الإصلاح ) الذين يقودون هذا ( الحِراك ) فهم نسيجٌ من ( أبناء الوطن ) ؛ يتألّفون من طوائف وجماعات وأحزاب متعدّدة ، وينحدرون من منابع فكريّة متشتتة ؛ ففيهم من الأحزاب والجماعات والفرق ( الإسلاميّة ) ، والليبراليّة ، والشيوعيّة ، والعلّانيّة ، ... .
ظهر من أولئك جميعاً حزب ( الإخوان المسلمون ) ؛ويُعْزى هذا ( الظهور ) إلى أسباب تتعلّق بالتنظيم الإداري والمالي المُتقن ، والدّعم المادي السّخي له ؛ أضف إلى هذا ( شعبيته! ) الكبيرة ؛ فإنّ الناس – بفطرتهم السليمة – يميلون إلى كلّ دعوة ( سياسيّة أو اجتماعيّة ) تنادي باسم الإسلام ، ولا يدّققون – في أغلب الأحيان – بمضمون تلك الدعوة ، أو توجّهاتها ( الذاتيّة ) ، وأهدافها السياسيّة .
و حزب ( الإخوان المسلمون ) في الأردن ممثلٌ بـ ( جبهة العمل الإسلامي ) ليس لهم منهجيّة مستقلّة في العمل السياسي ؛ بل هم مرتبطون - و بشكل وثيق – بتنظيم ديني سياسي عريض ، بلده الأم ( دولة مصر ) ، وينتشر في كثير من الدول العربيّة وغيرها ؛ ولا يُظنُّ غيابُ التنسيق بينهم في التخطيط للأنشطة السياسيّة وما أشبه ذلك .
ديدنُهم السياسة .. بمعنى أنهم لا يُولونَ جانب العلم الشرعي كبير اهتمام ، ولا يعطون الكثير من وقتهم من أجل طلب العلم ، أو تعليم الناس أمورَ دينهم ( في العقائد والعبادات والمعاملات ) ، أو التأليف والتصنيف وتحقيق الكتب العلميّة ؛ ولذلك لم يبرز فيهم – هنا – أيُّ عالم بالشريعة ، وليس لهم نتاج علميّ يُذكر ؛ لكنّهم في ( السياسة العصريّة ) لا يُشقّ لهم غُبار ، وهم متمرِّسون مُتفرّسون فيها .

إزاء هذا الحزب .. كانت هناك دعوةٌ دينيّة تؤصّل لمنهج علميٍّ يقوم على إحياء مذهب السلف الصالح الأول في فهم الكتاب والسّنة ، وتصفية الدين الإسلامي من شوائب البدع والخرافات في المعتقدات والعبادات والمعاملات ، وكذلك الأقوال الفقهيّة الشّاذة ؛ ثمّ تربية الأمّة – بعد ذلك – على هذا الإسلام المُصفّى ؛ وهذا المنهج معروف - عند أصحاب هذه الدعوة – بـ ( منهج التصفية والتربية ) ؛ والذي قاد لواءه مُحدِّث العصر الإمام المجدّد محمد ناصر الدين الألباني ؛ والذي يعود إليه الفضل – من بعد الله عز وجل – في الانتشار الواسع لهذه الدّعوة السّلفيّة في بلدنا العزيز الأردن .
الدعوة السلفيّة دعوة علميّة خالصة ؛ تحثّ على طلب العلم الشرعي وتعظّمه ، وتحضّ على الاجتهاد ، لكنها ليست على وفاق مع ( السياسة العصرية ! ) ؛ بل إنّ السلفيين الأردنيين يتداولون – كثيراً – العبارة المشتهرة عن الإمام الألباني : " من السياسة ترك السياسة " ؛ وقد سبق الحديث عنها في مقالة من أربعة أجزاء مطوّلات ، عنوانها نفسُ العبارة .

انتشرت حمّى ( الربيع العربي ) في بعض بلاد العرب ؛ ولا أرى حاجة للحديث عنها ، وعن تداعياتها ؛ فما منّا من أحد إلا ولديه علم حول ما يجري بسببها هنا وهناك .. ؛ وما يعنيني – هنا - هو التعريف بمذهب الدّعوة السلفيّة في ( الفتن الجارية ) وما يقابله عند حزب ( الإخوان المسلمون ) ؛ ومن الجدير ذكره : أنّ الدّعوة السّلفيّة و ( الإخوان ) فيما يطلقون عليه اسم ( الربيع الأردني ) على طرفي نقيضٍ - تماماً دون نُقصان – سواء أكان هذا في المقاصد أو الوسائل ؛ ومن يدّعي – علماً - خلاف ما نقول ؛ فنحن نسمع منه صحيحَ المنقول ، وصريحَ المعقول ؛ وأمّا ما كان ناجماً عن ( الانفعالات الحماسيّة ) ، ناتجاً عن ( الخطابات السياسيّة ) فلا حاجة لنا به ، ودعوتنا عنه غنيّة .
وللحديث – إن شاء الله – بقيّة ..
أسأل الله العظيم أن يحفظ بلاد المسلمين من الفتن ؛ ما ظهر منها وما بطن ، وأن يُصلحنا وولاة أمورنا ، وان يُرينا الحقَّ غير مُلتبس علينا ويرزقنا إتباعه ، وأن يرينا الباطل غير ملتبس علينا ويرزقنا اجتنابه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات