ها أنتم لا تصدُقون
رئيس الحكومة قالها مرارا وتكرارا وقلبه "يتقطع " على بني شعبه أن رفع أسعار المحروقات لن يطال الطبقة الفقيرة. وأكد نيته وإصراره على أن الرفع لن يمس الفقراء لأنه متفهم لحقيقة حالهم . ربما كان صادقا بشكل جزئي فيما ما يتعلق بالغاز والكاز والديزل(وهو يعلم أن الطلب يتدنى كثيرا عنها في الصيف) أما الكهرباء فقد رفعت أسعارها في خضم موجة التشاكي والتباكي على المديونية التي تسابق الزمن وتنفيذا لأوامر صندوق النقد الدولي الإستعبادية والتركيعية والتجويعية التي استمرأتها حكوماتنا التي تنعت بالرشيدة وهي أبعد ما تكون عن الرشد وفرضتها على الوطن حتى أثقلت كاهله عن جهل أوعن سخط متعمد بسوء نية أو بحسنها فأنتم من ستسألون من الشعب ومن رب الشعب وأنتم السبب بما وصلنا إليه من حال مزري. ولا حل إلا باقتلاعكم واجتثاثكم من جذوركم كما تجتث الأشجار التي نخرها السوس ولا حل لها إلا باستبدالها بشجرة سليمة تعطي ثمرا سليما يستفاد منه إذ بلغ السيل الزبى.
أما البحث عن الأسباب المؤدية لتلك المصائب ومعالجتها ومحاسبة صانعيها, فأمر مغيب وأثبتم عدم رغبتكم أو قدرتكم لتحقيق ما يطالبكم به الشعب. لتعلموا أيها المقررون أن ثقة الشعب بكم قد تدنى مستواها يوما بعد يوم حتى استهلكتم مواضعها لأنكم والله أثبتم بما لا يدعو للشك أنكم تعملون بعكس اتجاه الوطن والمواطن . وتعملون على إفقاره وإذلاله حتى بات لا يستطيع تأمين أساسيات عيشه . وتعملون باتجاه "ثورة " أراها عارمة ستطالكم بإذن الله ولا نتمناها لأن الشعوب والأوطان باقون أما أنتم فزائلون . وتعملون وهذا لا يختلف عليه اثنان على إرضاء أنفسكم وأحبائكم أما الشعب فجرذان لا مكان لها بحساباتكم .
ها أنتم قد مسستم الطبقة الفقيرة التي كان قلبكم "يتقطع " عليها في أيامكم الأولى وتباكيتم على الفقراء ومهدتم بذلك الطريق لتنالوا ثقة "نواب " ينوبون عن أنفسهم همهم الجوازات الحمراء وكم من آلاف الدنانير سيكون تقاعدهم . وقد رفعتم البنزين (90) الذي يستعمله غالبية سكان الأردن حيث سينعكس ذلك على ارتفاع أجور المواصلات وسلع استهلاكية كثيرة مما سيزيد من أعباء المواطن الذي يئن أصلا من شدة وطأة الأعباء . لقد رفعتم مستوى الأنين حتى حولتموه إلى صراخ. لقد رفعتم مستوى المعاناة حتى أمتونا ونحن أحياء. لقد رفعتم مستوى الإحتجاج حتى حولتموه لصدام. لقد أصبح المواطن يتجنب دخول الدوائر الحكومية خوفا من (تشليحه) مما تيسر في جيبه. ألستم بشرا لتشعروا مع البشر؟؟ عذرا نسيت أنكم ولدتم ونشأتم وترعرعتم بالقصور واعتدتم الرغيد من العيش, فكيف يمكنكم تصور طبيعة حياة الدهماء والرعاع؟؟!! إن فاقد الشيء لا يعطيه. فإلى متى تماديكم وغطرستكم ؟؟ وإلى متى ستبقوا تخدعونا بقولكم "المواطن خط أحمر " ؟؟ وأنتم من بدّل ذلك اللون الأحمر إلى أخضر بل أبيض ليسمح لكم بالدعس عليه بنعالكم والمرور عنه بمنتهى الطمأنينة . وإن تحمل المواطن دعسكم لفترة ما فلن يكون بمقدوره أن يتحمل دعس نعالكم أكثر من ذلك .
وها أنتم تدفعون به "لثورة " وليس لاحتجاج وتدفعون به إلى التظاهر والإعتصام وليس إلى المسير السلمي والتظلم . نسمع شعاراتكم التخديرية فيريحنا سماعها ثم ما نفتأ نتذكر أن قائليها لا عهد لهم ولا يستحقون الثقة وليسوا أهلا للتصديق بسبب الإرث الطويل جدا من الضحك على الذقون والتاريخ المتلاحق والمتسارع من الإستخفاف والإستهتار والإستحمار لإنسانية المواطن الإنسان .
والله إنكم تحفرون قبوركم بأيديكم . والله إنكم تحيكون مآمرة للنظام تقود الشعب ليقول علي وعلى أعدائي . والله إنكم تقودون الشعب لعصيان مدني يشل الأردن بأكمله وتعرفون تبعاته وتكلفته . والله إنكم تدفعون الناس دفعا للخراب والفوضى لأن أحمالهم قد ثقلت وصبرهم قد نفذ أو أوشك. ألم تستخلصوا العبر من الدول المحيطة وأنتم ترون إلى أين وصلت أحوالهم وأحوال أنظمتهم ؟؟ فتونس كانت شرارة ومصر كانت فتيلا وليبيا كانت امتدادا واليمن كانت اشتعالا وسوريا ما تزال ملتهبة والأردن ليس بمنأى عما يجري وإن بوتيرة أقل حدة. الشعوب تقلد بعضها وتستورد وتقتبس أفكارا تراها تتلائم مع أحوالها لتطبقها . "وللأمناء " الذين يظنون أنهم الوحيدون الأمناء على الوطن والنظام ومن سواهم موضع شبهة وشك نقول ألا ترون ما يحدث لشعبكم ومواطنيكم الذين " كرامتهم خط أحمر " ؟؟!! هل أبقيتم في الخط احمرارا؟؟!! هل من العدل إرضاء فاسدين خائنين بسحقكم للشعب ودمار الوطن ؟؟
أيها الأردنيون.......
نحن نسير نحو مستقبل غامض ودلالات الحاضر لا تبشرنا بالخير وهذا ليس تشاؤما ولكن معطيات ومدخلات الحاضر تنبئنا بنتائجه ومخرجاته التي علينا تجنبها ونسأل الله أن يبعدنا عنها, وها نحن ندنو من الحافة ولا مخرج إلا السقوط والسقوط يعني نهايتنا ونهاية الوطن. وليست هذه دعوة للتهييج بل صرخة أتمنى من أولي الأمر سماعها لاستدراك الوضع حتى لا تنقلب الأوضاع لا قدر الله. لنعترف أن الأردن لا يتحمل ما تتحمله دول أخرى لأسباب عدة اقتصادية وسياسية وديموغرافية وجغرافية. نسأل الله أن يجنبنا شر من يضمرون الشر للوطن ونسأله تعالى أن يأخذ بأيدي الأخيار والغيارى ليبقى الأردن مستقرا وواحة أمن وأمان بقيادته الفيصلية وشعبه المنتمي الغيور.
وللعبرة نستذكر المغفور له الحسين طيب الله ثراه ، وعندما قامت قيامة العالم كله ولم تقعد في فترة احتلال العراق للكويت ، كان ببصيرته قد اختار الإنحياز لشعبه الذي كانت الأرض من تحته والسماء من فوقه والنبات من حوله كلها تنطق باسم صدام حسين إعجابا وتأييدا ضد قوى الإهلاك والغطرسة الأجنبية مع تحفظنا على احتلاله للكويت. لقد كان رحمه الله صاحب بصيرة نافذه وقد نزل عند رغبة شعبه ولبى نداءه رغم درايته واستشعاره لما ستؤول إليه الأحوال من سوء العلاقة مع الكثير من الدول العربية والغربية وقد ساءت فعلا . لكن بحكمته ودرايته الواسعه وبحنكته التي لا يتحلى بها الكثيرون قد أعاد رحمه الله المياه لمجاريها مع كل تلك الدول شيئا فشيئا . لقد خلّف إرثا كرجل دولة عدّه الكثيرون مدرسة يمكن أن يتتلمذ بها كل إنسان باحث عن كيفية الإستنارة والإستهداء للسير دون عراقيل تعيق مسيره.
أليس هذا بكاف لنخرج منه بالعبر والدروس التي يمكن أن تعكس الأمور لصالح الوطن والنظام ؟؟ إذا كنتم تدفعون بالمواطنين لقبول ما تنوون فرضه عليهم في قادم الأيام من قرارات ومواقف مرفوضة مسبقا فأنتم واهمون ولا تدركون ثورة الهادىء إذا تم استفزازه ولا تدركون ردة فعل الجائع لأنكم لم تجوعوا يوما والشعب جائع ولا تدركون أن من يموت دون ماله وعرضه وعياله فهو شهيد .
فكفاكم ثم كفاكم...... فالقط إذا حُصر ومُنع من المقاومة وقُيدت حريته ينقلب أسدا ، والقطط كبرت بحجمها وطالت أنيابها وقست مخالبها وهيأتموها للإنقضاض . وإذا تعللمتم بتحصيل بضعة ملايين من رفعكم للأسعار ، فكان يمكن تحصيلها من السارقين والمخصخصين والبائعين الذين باعوا مقدرات وطن بأثمان بخسة وانتفخت جيوبهم وما زالو موضع ثقة وعلية القوم والوحيدون الذين يستشارون ويتم اللجوء إليهم لتسلّم زمام الأمور ليزيدونا معاناة والمتناوبيين على ملء الكراسي التي منها يشحذون سكاكينهم وخناجرهم لذبحنا مع كل بزوغ للشمس.
لقد خذلتم الشعب أيها الحكوميون منذ أيامكم الأولى وها أنتم مستمرون بخذلانه واستحقاره يوما بعد يوم . لكن اعلموا أن لكل شيء نهايته وقد استعجلتموها . إن لم تعودوا لرشدكم وتتعقلوا وتدركوا أنكم تسوسون بشرا, فلتعلموا أنها بداية النهاية . ولو كنتم تظنون أنكم تسوسون بهائم فاعلموا أيضا أن البهائم لها حدود للتحمل والصبر أيضا وعند نفاذهما لا بد من الإنطلاق بحثا عن الخروج من المأزق .
وحمى الله الأردن والغيارى على الأردن . والله من وراء القصد.