ديمقراطية المنصف المرزوقي

بين يدي كتاب صدر حديثا للطبيب منصف المرزوقي الذي يشغل الآن منصب رئيس الجمهورية التونسية بعد ثورة الشعب التونسي ضد الطاغية زين العابدين، وسرقة هذه الثورة كما سرقت غيرها.
الكتاب مفاجئ بالنسبة لي من حيث موضوعه (هل نحن اهل للديمقراطية) بالنظر الى الكتب السابقة للمرزوقي وهي كتيبات او كراسات لتلاميذ المدارس في التثقيف الصحي.
ولا يقلل هذا من معاناة الرجل واعتقاله ونفيه ايام الطاغية ومشاركته في تأسيس حزب المؤتمر من اجل الجمهورية (اسم على الطريقة الفرنسية) وفي تأسيس اللجنة العربية لحقوق الانسان مع السيدة اللبنانية داغر والسيدة موزه زوجة الشيخ حمد امير قطر, وغيرهن وغيرهم..
ونتعرف في الكتاب على ملاحظات تستحق الانتباه منها:
1- ان الكتاب المذكور, هو نسخة ثانية، من كتاب لم يطبع ولم يوزع الا في بلد عربي واحد, عام 2001 هو سورية لحساسية الانظمة العربية من موضوعه, كما يقول المرزوقي. والمفارقة هنا ان البلد العربي الوحيد الذي يهاجمه المرزوقي هذه الايام، هو سورية.
2- الملاحظة الثانية، شكوى المرزوقي من تواضع التجاوب الشعبي العربي مع الديمقراطية التي كان ينادي بها (وحيدا تقريبا، كما يقول).
3- الفهم البيولوجي للديمقراطية, ربما تحت تأثير دراساته في التثقيف الصحي، لكنه مقابل هذه البيولوجيا يعرب عن غبطته بنجاح الثورة الديمقراطية بلا ايديولوجيا..
وهنا بيت القصيد في كل تصورات طبيب الصحة المذكور حول الديمقراطية وهي تصورات ليبرالية شائعة في الاوساط التي عاش بينها في فرنسا. فالديمقراطية عنده هي المواد (18-21) من الاعلان العالمي لحقوق الانسان (حرية التفكير والتعبير السياسي والتنظيمي) ولا يتطرق من قريب او بعيد للدور الاجتماعي والاقتصادي للدولة.
4- كما يقدم مفهوما مماثلا للمواطنة بالاعتماد على المفهوم الاغريقي القديم (بلا زيادة ولا نقصان) باعتبارها مفهوما سياسيا وليس اجتماعيا يتطلب انجاز الشروط التاريخية لقيام المجتمع المدني، فالمواطنة عنده من نصيب الاقلية المسيسة (يسميها طبقة) التي تهتم بالشأن السياسي بسبب وعيها السياسي وما عداها لا مواطنة.
5- على ان اكثر ما يلفت الانتباه في الكتاب تساهله ازاء المفهوم الوطني والسيادة لصالح خطاب العولمة (الرأسمالية) وليس بلا معنى اشادته ايضا بدور الاحتلال الامريكي لليابان من حيث نشر الديمقراطية باشراف الجنرال الامريكي ماك ارثر الذي استقبله اليابانيون - كما يقول بكثير من البهجة متجاهلا ابادة مدينتين بالقنابل الذرية.
6- ولا يخلو الكتاب من تناقضات حول الديمقراطية باعترافه بدور المال السياسي بشراء اصوات الفقراء وخلق رؤساء من نادي المليونيرية.. الخ وكذلك بتساؤله من اين لشعب من انصاف الاميين ان يحسن الاختيار، حيث الفقر يتماشى مع الجهل على حد تعبيره كما يرى (اننا كلنا نحلم لا بالقضاء على الارستقراطية بل بارتداء جبتها).
7- اخيرا، اترك للقارئ ما قاله الشيخ عبدالسلام ياسين حول الديمقراطية واعتبره المرزوقي كلاما ليس صحيحا. يقول الشيخ: في الديمقراطية تتعايش الامال والاوهام مع الرشوة والنفاق والكذب وذلك في كنف رأس المال وتحت جناحه. فهي حيلة لادارة الازمات عبر صناديق اقتراع مؤقتة يحكمها التدليس وتسويق بضاعة الديمقراطية لتجاوز الازمات الاقتصادية والسياسية المذكورة.(العرب اليوم(