العراك الديمقراطي الناعم
تم نشره السبت 16 حزيران / يونيو 2012 02:41 مساءً

تسير ساعة الأحداث المصرية بسرعة وإثارة، وسط أحداث جسيمة ومفاجآت منتظرة وأخرى غير متوقعة، بينما يصل العراك الديمقراطي إلى أوجه قبيل ذهاب الرجال والنساء اليوم إلى صناديق الاقتراع لحسم هوية أول رئيس مصري في تاريخ مصر الحديثة والقديمة. العنوان الكبير لكل ما حدث وما يحدث في مصر هو الديمقراطية بعراكها وصراخها وميدانها العتيد، والتي تجسد اليوم أكبر ديمقراطية عربية قادمة، أمامها فرصة حقيقية للنضوج، ولديها القدرة الذاتية على التصحيح الذاتي. وما هذه المفاجآت المتتالية إلا بعض تعبيرات منطق التصحيح الذاتي.<br />الدراما الديمقراطية المصرية على أشدها، ووصلت قبل ساعات من حالة الصمت الانتخابي والذهاب إلى الصناديق ذروتها؛ بإعلان المحكمة الدستورية عدم دستورية قانون العزل السياسي. وهو قرار متوقع، إعلاميا عد لمصلحة المرشح أحمد شفيق الذي يحسب على النظام السابق، وعلى حساب قوى الثورة وشبابها وخيارها الثالث. بينما جاء القرار الثاني بعدم دستورية قانون انتخاب مجلسي الشعب والشورى، ما يرتب حل مجلس الشعب، وهو ما اعتبر ضربة للإسلاميين الذين يسيطرون على ثلثي المجلس، الأمر الذي دفع بعض رموزهم إلى رفض قرار المحكمة، واعتبروه انقلابا عسكريا ناعما يعيد السلطة التشريعية مرة أخرى إلى يد المجلس العسكري.<br />رغم أن قرارات المحكمة الدستورية في المحصلة صنفت لمصلحة مرشح النظام السابق، فإن فرص مرشح الإخوان هي الأوفر، بعدما توصلت الكثير من القوى السياسية الثورية وقوى الشارع إلى أن لا مناص من منع رموز النظام السابق من العودة مهما كان الثمن. وهذه قناعة جماعة "6 أبريل"، على سبيل المثال، التي أعلنت أنها ستعود إلى الميدان إذا فاز أحمد شفيق، من أجل استكمال الثورة، معلنة تحالفها الضمني مع الإخوان المسلمين، إذ وصفت هذه الحركة الأقوى بين الحركات الثورية الجديدة التي تعود إلى العام 2008 أنها "الذراع اليسارية" للإخوان. <br />العقل المركزي المصري الذي يمثله العسكر في هذه اللحظة التاريخية وجد، في المقابل، أن تسليم البلاد كاملة، أي بسلطاتها كافة، للإسلاميين سيكون مقتلا للديمقراطية الوليدة، وفتح قرار المحكمة الدستورية نافذة أخرى لكي تصحح الديمقراطية نفسها بإعادة انتخاب البرلمان مرة أخرى.<br />البر والبحر المصريان مملوءان بالفخاخ أمام الرئيس القادم الذي سيصل إلى السلطة بدون برلمان ولا دستور، وبمجلس عسكري متنبه ويعيد خلط الأوراق كلما وصلت الأمور إلى نقطة صعبة. والقلق الاجتماعي يوازي القلق السياسي وقد يفوقه، وثمة خوف من انتكاسة تلحق بالثورة الطازجة، وخوف آخر من حالة الطوارئ وأحكام عرفية وإقامة طويلة للعسكر في حالة مصر، بينما تتهم قوى التغيير التي تقف على رأسها قيادات شبابية بالاستعجال وضعف الأفق السياسي. فبعد الإنجازات التاريخية الحاسمة، والتي توالت بسرعة دراماتيكية تتفق مع منطق الثورات، يأخذ العمل السياسي دوره على الأرض، وتثبت الدراما المصرية الحالية الخطوط الفاصلة التي تتغير على الأرض رغم القلق الداخلي الكبير؛ فنحن نراقب من الخارج عملية تاريخية تسير نحو النضوج بدماء أقل، وبعراك وخلافات أكثر، وهذا منطق الديمقراطية.
التفاؤل التاريخي ينضج بهدوء وسط المولد المصري الصاخب، ويعبد طريقا صلبة وصعبة في الانتقال من منطق الثورات وبهذه السرعة إلى منطق الديمقراطيات.
مهما قيل؛ مصر تتقدم وتنجز ديمقراطية على النار؛ وعلى الآخرين أن يتعلموا. ( الغد )
التفاؤل التاريخي ينضج بهدوء وسط المولد المصري الصاخب، ويعبد طريقا صلبة وصعبة في الانتقال من منطق الثورات وبهذه السرعة إلى منطق الديمقراطيات.
مهما قيل؛ مصر تتقدم وتنجز ديمقراطية على النار؛ وعلى الآخرين أن يتعلموا. ( الغد )