ألا من يخزِّن لنا هذا الشوب

حينما كان يهرب الأصدقاء من الحر إلى جبال عجلون متنزهين فينتعشوا، كانوا ينصحوني بعضهم أن استثمر في تعليب هذا الهواء الموشى بحليب الندى والطراوة. ولكنني في تسونامي الشوب الأخير، صرخت من حري : ألا من يخترع لنا جهازاً يستطيع أن يخزن لنا هذا الصهيد اللافح، كما نخزّن اللبن الجميد، والعنب الزبيب، والقطين من التين. عل وعسى نستغني عن وقود حكومتنا الغالي لمقارعة برد كوانين وشباط.
في الصبا كنا نلوذ إلى وادي العريس (وادٍ في كفرنجة/عجلون)، فنحبس الماء بالحجارة الكبيرة وأكياس البلاستيك؛ لنصنع بعد جهد جهيد بركة صغيرة تكون بحرنا الأزرق، فنمرح ونتبلبط كسمك مذعور، ونغوص من فوق أشجار الصفصاف ببراعة الضفادع، ثم إذا ما أخذنا الشوب واشتد، كنا نتسلل لنرخي أجسادنا في ظل الأشجار الباردة المزروعة بخاصرة الماء، منتظرين بفارغ الصبر أن تنكسر حدة الشمس لنعود للبلبطة!.
في هذه الموجة التسونامية، لم نفلح في قنص ظل يقينا، حتى في بحر اشتفينا الأخضر، ولا في غابات (قاعدة عنجرة)، التي يجلب شجرها ظلال المطر من أبعد مدى، ولا في دبين، حتى أن صديقاً عربياً حج إلى عجلون للابتراد، قال لي مغبوناً: أين (غزلان الندى) يا رمزي. ضحكت علينا؟!، ويقصد تلك الغيوم التي تتشكل فوق الغابات عندما تشتد الحرارة، فتلطف الآجواء وترطبها. وأضاف ضارباً اسفينه: يبدو أنكم انضممتم إلى مجلس التعاون، رغم أنف السياسة وطباخيها.
الاعتكاف في البيوت كان سيد الموقف، فقد فرض الجنرال «شوب» منعاً للتجوال النهاري، وأحالنا إلى كائنات ليلية كالخفافيش، لا تقوى على وضح الشمس ومخارزها. فقمنا نبترد على الفيس بوك، وتعجبنا من صورة لصديقة قلت بيضة على بلاط الأرض على سبيل التدليل.
تبادلنا النصائح المضادة للاحترار، وأبرزها شرب اللبن الرايب. فيتدخل صديق متذمراً: لا عاجبكم شوب، ولا برد، وهو من رب العالمين. فكيف ستعجبكم الحكومات المتتالية؟؟؟!.
الاعتكاف في البيوت، وبرد الفيس بوك، واللبن الرايب، تجعلنا نتذكر ونحيي أؤلئك الذين لا يأكلون خبزتهم، إلا انتزاعاً من فم الشمس. فتحية لرجال الشمس في صهيدها. ( الدستور )