هل نمنع السفراء من الالتقاء بالناس؟

ازداد في الفترة الأخيرة الانتقاد لسلوك بعض السفراء، ووصلت بعض الدعوات من بعض القوى السياسية إلى منع سفراء دول غربية بعينها من الالتقاء بالناس ومن القيام بجولات محلية، معتبرة ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية يخرج عن نطاق التقاليد الدبلوماسية، حيث التقى سفراء غربيون من بينهم سفراء بريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي ودول غربية أخرى قادة الحركة الإسلامية في الأردن، كما نشط السفير الأميركي في عمان بلقاء قادة عشائر وشخصيات سياسية في محافظات عديدة، ووصلت دعوات أخرى الى مقاطعة محاضرات يلقيها سفراء في الجامعات، ويتردد الحديث عن لقاءات مستمرة مع شخصيات سياسية عامة من المعارضة التقليدية ومن قوى الحراك الشعبي، ومن شخصيات ايضا تقف على هامش النظام السياسي.
نسمع ونقرأ كلاما مرسلا ومتناقضا ويتسم بالمبالغة في وصف هذه الأنشطة والزيارات وفي تفسيرها؛ هل تتم بعلم وزارة الخارجية وبتنسيق مسبق معها؟ وهل ما تزال في إطار ما يعرف بالدبلوماسية العامة التي يمارسها عادة الدبلوماسيون في مختلف انحاء العالم بالاتصال مع المجتمعات والمؤسسات، أم انها تتجاوز ذلك للتدخل في شؤون محلية؟ هل الأطراف المحلية التي تستقبل هؤلاء الدبلوماسيين تمارس الاستقواء بالخارج؟ هل يمكن النظر لزيارة المخيمات والالتقاء بقوى سياسية فيها مثل النظر لسفير يلقي محاضرة في جامعة.
المفارقة أن الذين يهاجمون محاضرة يقدمها سفير دولة ما في جامعة او مؤسسة ثقافية، هم من يلتقون في الغد برموز مؤسسات مشبوهة وذات أجندات غير بريئة، حدث هذا لدينا ويحدث كل يوم في دول الربيع العربي، وثمة مسار واضح لحجم الاختراقات التي حدثت في هذه الدول خلال شهور قليلة عجزت أن تحدثها كل محاولات الاختراق التي جندت المال والجاسوسية ورجال الاعمال والثقافة والدبلوماسية في زمن السلام ولأكثر من ثلاثة عقود.
صحيح أن العمل الدبلوماسي تحكمه اتفاقيات دولية وتقاليد وأعراف لا يجوز تجاوزها، في المقابل لا يمكن تصنيف كل الممارسات والاتصال بالمجتمع وبالقوى السياسية على أنه تدخل في الشؤون الداخلية، بل إن التضييق على الأنشطة البلوماسية في معظم الأحيان يعبر عن الضعف، ولا يعبر أحيانا عن أكثر من مجرد محاولة من النظم السياسية للتستر عن ما يجري في داخلها.
الدبلوماسية الرسمية تبقى تتمتع ببعض الوضوح في سلوكها، ولكن الريبة تكمن في ممارسات مؤسسات أخرى
تنشط تحت عناوين مراكز علمية ومؤسسات تمويلية، ويزداد حضورها في أوقات الأزمات.
لا يمكن تبرئة نشاط الدبلوماسية الغربية في الأردن على الاطلاق، ولا يمكن في الوقت نفسه النظر اليه من منظور المؤامرة، فالأردن بنى سمعته الدولية بالانفتاح على العالم ولديه رصيد وتراث من العلاقات المنفتحة؛ علينا أن نتذكر ان الأردن يعد اكثر دولة في المنطقة تتوفر حولها معلومات ودراسات في الغرب نتيجة تراث من الانفتاح السياسي، الأمر الذي انعكس إيجابيا على التنمية وعلى فهم الآخرين، وعلينا أن نتذكرأنه لطالما قاومت المؤسسات المدنية والقوى السياسية المحلية ثقافة التستر، فماذا لدينا لكي نخفيه عن العالم، والأهم أن نشاط الدبلوماسية الغربية في الأردن ما يزال في حدود الواقع ولا يمكن أن يحمل اكبر مما يحتمل.
المطلوب وضوح أخلاقي ثم سياسي من القوى السياسية والمدنية الناشطة، وأن لا تمارس بالليل ما تكفر به في النهار، ووضوح رسمي وشفافية لا تفتح المجال بأن تتحول محاولات الفهم، او ما يجري تحت عناوين العلاقات العامة الدولية إلى تدخل فعلي، والخطورة الفعلية من أولئك الذين يعرضون أنفسهم على الخارج. ( الغد )