الربيع العربي ليس للفرجة
تم نشره الإثنين 18 حزيران / يونيو 2012 09:29 صباحاً

باسم الطويسي
فيلم مصري جديد اسمه "بعد الموقعة"، أنتجه منتج صهيوني من جماعة برنار ليفي ومستشار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي للشؤون الثقافية والفنية، شارك في مهرجان "كان" الأخير. هذا الفيلم الذي دار حوله نقاش سريع، يضع اليد على القلب خوفا من شكل جديد من الاختراق المريب للشارع العربي، وبجرأة لا تلتفت لا إلى تاريخ ولا إلى عقائد. يحدث ذلك في الوقت الذي أصبح فيه الربيع العربي موضوعا لعشرات الأفلام، ومادة للفرجة السينمائية.
الفيلم للمخرج يسري نصر الله، ويشارك فيه نجوم مثل منة شلبي وباسم سمرة، ويعالج الصراع السياسي والاجتماعي في تفسير ما يسمى "واقعة الجمل"؛ حينما هاجمت خيول وجمال الأهرامات المعتصمين السلميين في ميدان التحرير. والمهم هو كيف دخل أنصار برنار ليفي هذا المدخل وبهذه السرعة، والسؤال: هل ستصبح الثقافة والفنون التي بقيت لعقود طويلة الجبهة الأقوى والأكثر تحصينا ضد الاختراق والتطبيع، بيئة رخوة إلى هذا المستوى؟
كل التوقعات ذهبت في الأشهر الأولى من الربيع العربي إلى موجة من التفاؤل بمستقبل الثقافة والفنون بعد الضربات الأولى التي وجهتها الشعوب للنظم السياسية. وعلى الرغم من أن مساحة التفاؤل ما تزال هي المسيطرة، إلا أن البيئة الرخوة للمرحلة الانتقالية تقول كلاما آخر.
شكلت السينما على مدى عقود طويلة مقياسا للمزاج الثقافي في بلد كبير بحجم مصر التي تعد موئلا ثقافيا كبيرا، ينطوي على قوة ناعمة طالما كانت أداة من أدوات التأثير السياسي والثقافي معا. ويكفي أن في مصر ثلثا آثار العالم، وهي واحدة من أوائل بلدان العالم التي شهدت صناعة السينما. وربما تفسر هذه المكانة نقطة الاختراق الحساسة التي حاولت منها جماعة ليفي الدخول إلى الشارع المصري، ما يعيد إلى الذاكرة حلم أرييل شارون بالجلوس على مدرجات استاد القاهرة الرياضي، أو دخول صالات العرض في وسط المدينة.
حاول النظام المصري السابق تحويل السينما إلى أداة للفرجة وللترفيه، وأداة للدعاية الرسمية. ونجح في أغلب المواقع. واليوم، ينسحب التفاؤل أمام تحديات واقعية، بعضها بحكم طبيعة المرحلة الانتقالية، وبعضها الآخر نتيجة ضعف الهياكل والبنى الثقافية، والاستعداد للاختراق والاستثمار السياسي في الثقافة والفنون من خلال الاستحواذ أو محاولة إعادة تفسير الحياة والمجتمع وفق مقاييس دينية أو اجتماعية.
شكل الفنانون كتلة حرجة ورخوة في نفس الوقت في زمن الثورات العربية. فهم كتلة تملك الكثير من مفاتيح الجماهير، ولهم دورهم المعروف في التأثير والتعبئة؛ وهم في الوقت نفسه يشعرون بالاستهداف في أجواء صعود تيارات إسلامية لم تحسم بعد موقفها الفعلي من الفن ومن الحياة الخاصة، وسط خوف وهواجس لدى فئات اجتماعية على المستقبل كله، وليس الثقافة والفنون فقط.
أمام السينما والفنون فرصة لاستعادة الذات في زمن ما بعد الربيع العربي، وهي الفرصة التي قد تكون مصيدة! إذ نلاحظ ملامح مربكة تعوم في بيئة رخوة، أهمها تدفق تمويل هائل من مصادر متعددة للإنتاج السينمائي ولصناعة الإعلام بشكل عام، بعضه تمويل معروف ومحدد الأهداف، وتمويل آخر غامض؛ ما خلط الأوراق. ثم هناك حالة إحجام وترقب حول شكل الشاشات في مصر وفي أقطار عربية أخرى بعد أشهر قليلة، ما يكشف حجم الخوف من أنماط جديدة من الرقابة، تنتقل من الإكراه السياسي إلى إكراه سياسي جديد يختبئ خلف عناوين اجتماعية ودينية. وربما ستكون السينما أحد أكثر الأماكن ملاءمة لاختبار هذا الهاجس. ( الغد )
الفيلم للمخرج يسري نصر الله، ويشارك فيه نجوم مثل منة شلبي وباسم سمرة، ويعالج الصراع السياسي والاجتماعي في تفسير ما يسمى "واقعة الجمل"؛ حينما هاجمت خيول وجمال الأهرامات المعتصمين السلميين في ميدان التحرير. والمهم هو كيف دخل أنصار برنار ليفي هذا المدخل وبهذه السرعة، والسؤال: هل ستصبح الثقافة والفنون التي بقيت لعقود طويلة الجبهة الأقوى والأكثر تحصينا ضد الاختراق والتطبيع، بيئة رخوة إلى هذا المستوى؟
كل التوقعات ذهبت في الأشهر الأولى من الربيع العربي إلى موجة من التفاؤل بمستقبل الثقافة والفنون بعد الضربات الأولى التي وجهتها الشعوب للنظم السياسية. وعلى الرغم من أن مساحة التفاؤل ما تزال هي المسيطرة، إلا أن البيئة الرخوة للمرحلة الانتقالية تقول كلاما آخر.
شكلت السينما على مدى عقود طويلة مقياسا للمزاج الثقافي في بلد كبير بحجم مصر التي تعد موئلا ثقافيا كبيرا، ينطوي على قوة ناعمة طالما كانت أداة من أدوات التأثير السياسي والثقافي معا. ويكفي أن في مصر ثلثا آثار العالم، وهي واحدة من أوائل بلدان العالم التي شهدت صناعة السينما. وربما تفسر هذه المكانة نقطة الاختراق الحساسة التي حاولت منها جماعة ليفي الدخول إلى الشارع المصري، ما يعيد إلى الذاكرة حلم أرييل شارون بالجلوس على مدرجات استاد القاهرة الرياضي، أو دخول صالات العرض في وسط المدينة.
حاول النظام المصري السابق تحويل السينما إلى أداة للفرجة وللترفيه، وأداة للدعاية الرسمية. ونجح في أغلب المواقع. واليوم، ينسحب التفاؤل أمام تحديات واقعية، بعضها بحكم طبيعة المرحلة الانتقالية، وبعضها الآخر نتيجة ضعف الهياكل والبنى الثقافية، والاستعداد للاختراق والاستثمار السياسي في الثقافة والفنون من خلال الاستحواذ أو محاولة إعادة تفسير الحياة والمجتمع وفق مقاييس دينية أو اجتماعية.
شكل الفنانون كتلة حرجة ورخوة في نفس الوقت في زمن الثورات العربية. فهم كتلة تملك الكثير من مفاتيح الجماهير، ولهم دورهم المعروف في التأثير والتعبئة؛ وهم في الوقت نفسه يشعرون بالاستهداف في أجواء صعود تيارات إسلامية لم تحسم بعد موقفها الفعلي من الفن ومن الحياة الخاصة، وسط خوف وهواجس لدى فئات اجتماعية على المستقبل كله، وليس الثقافة والفنون فقط.
أمام السينما والفنون فرصة لاستعادة الذات في زمن ما بعد الربيع العربي، وهي الفرصة التي قد تكون مصيدة! إذ نلاحظ ملامح مربكة تعوم في بيئة رخوة، أهمها تدفق تمويل هائل من مصادر متعددة للإنتاج السينمائي ولصناعة الإعلام بشكل عام، بعضه تمويل معروف ومحدد الأهداف، وتمويل آخر غامض؛ ما خلط الأوراق. ثم هناك حالة إحجام وترقب حول شكل الشاشات في مصر وفي أقطار عربية أخرى بعد أشهر قليلة، ما يكشف حجم الخوف من أنماط جديدة من الرقابة، تنتقل من الإكراه السياسي إلى إكراه سياسي جديد يختبئ خلف عناوين اجتماعية ودينية. وربما ستكون السينما أحد أكثر الأماكن ملاءمة لاختبار هذا الهاجس. ( الغد )