رئيس شرعي بلا صلاحيات...أفضل من رئيس مزوّر بكامل الصلاحيات!!
نجح شعب مصر بتحقيق أول انتخابات حرة ونزيه بانتخابه رئيسا لمصر، وحق لهم أن يحتفلوا بانتصار إرادة الشعب ، سيسجّل التاريخ ذلك بماء الذهب، وسيسجل أن الفضل كان لثورة مصر وشباب مصر، الذي أثبتوا أن حبهم لمصر كان أكبر بكثير من مظلة المصالح الحزبية الضيقة ، مصر عصب الأمة وأمل الشعب العربي نحو تحقيق مستقبل مشرق للأمة العربية ، فحق لنا أن نشارك فرحتهم (بفوز مصرفي عرسها الديمقراطي ) .
لكن فرحة مصر لم تكتمل بسبب محاولة بقايا النظام البائد احتواء الثورة وإجهاضها عبر سلسلة من الإجراءات الماكرة ،كان هدفها ولا يزال تذويب الثورة وإضاعة ملامحها ، فكانت صناعة الأزمات وسيلتها ،فقد زرعت قنابل في طريق الثورة ، فتورطت القوى الوطنية في صراع على السلطة فانشغلت ببغضها البعض ، محدثة فجوات وفراغات عميقة تمدد فيها المجلس العسكري بأدواته المختلفة الذي ارتبط بمصالح شخصية وإقليمية ودولية ، تجسّد ذلك بالتنسيق مع المخابرات الأميركية لتنفيذ سيناريو معد ضمن برنامج محكم يتضمن وسائل تناسب كل مرحلة من مراحل الفترة الانتقالية لحكم مصر .
مرحلة الحسم تجلّت عقب قرار المحكمة الدستورية العليا القاضي بعدم دستورية انتخابات مجلس الشعب الأخيرة، فكان القرار بحل المجلس بكامله ، الغريب أن البرلمان الذي أصبح باطل دستوريا هو ذات البرلمان الذي طبّل وهلّل له المجلس العسكري ، فاعتبره هدية للشعب المصري في عرسه الديمقراطي وفاخر بأن انتخابه تم تحت حكمه ، فظهر في حينها على أنه حارس الديمقراطية وحامي حقوق الشعب( بالتعبير عن إرادته الحرة) بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة وشفافة .
المجلس العسكري كان يعلم بالخلل الدستوري الذي اعترى الانتخابات البرلمانية لمجلس الشعب ، لكنه لم يحرك ساكنا ولم يثر بطلان الانتخابات أمام المحكمة الدستورية العليا الاّ بعد استحقاق مرحلة الحسم للإجهاز على الثورة ، فقد كان سيناريو خبيث أعد له بذكاء ، تبعها بضربة موجعة وقبل التقاط الأنفاس وقبل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية ، حين أصدر المجلس العسكري الحاكم في مصر إعلانا دستوريا مكملا أحدث مخرجاته: رئيس منزوع الصلاحيات، بلا دستور يحدد نطاق عمله، ولا برلمان يراقب أداءه وهكذا انتقلت السلطة التشريعية الآن إلى المجلس العسكري، ولن يكون من السهل أن يتنازل المجلس عن السلطة التشريعية ، قبل أن يثبت أقدامه وتجرى انتخابات لاختيار مجلس شعب جديد، وتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور ، ولكننا نقول أن وصول رئيس شرعي لمصر بلا صلاحيات أفضل من رئيس مزوّر بكامل الصلاحيات !!!
في هذه المرحلة الانتقالية الدقيقة سوف تظل أوضاع مصر مقلله ، وعلى قوى الشعب الحيّة وشباب الثورة مسؤولية تاريخية ،وبالأخص التيار الإسلامي الذي يجب عليه انتهاج سياسة متوازنة وبناء ثقة مع نسيج الثورة والقوى الوطنية بعدما وقع في أخطاء كان بالإمكان تداركها ،فاتهام الاخوان المسلمين بالاستحواذ على السلطة وإقصاء القوى الوطنية كان له ما يبرره، فقد تفاجئ المصريون في لحظة ما بسيطرة الإخوان على رئاسة مجلس الشعب والاستحواذ عليه ناهيك عن سيطرتهم على تأسيسية الدستور وترشحهم للرئاسة ، فزرع الشكوك في صدور المصريين ، فعلى حزب الحرية والعدالة إذا فاز مرشحها تقع مسئوليه تاريخية فى إنجاز التحول الديمقراطي وبناء الثقة مع الشرائح الوطنية الفاعلة على الساحة المصرية ،من خلال تفعيل مبدا المشاركة في الحكم بحيث تمثّل كافة أطياف المجتمع المصري في صناعة القرار . وبغير ذلك سوف تبقى مصر تدور فى حلقات مفرغة تؤدي إلى هلاك الثورة وإعادة إنتاج النظام البائد من جديد.
حقيقة لا ثورة بلا أخطاء وخطايا،فالتاريخ يشهد أن الثورات الكبرى حدثت فيها انتكاسات وأخطاء ، لكنها استمرت وصححت، ففي صفحات الثورات الناجحة دروس وعبر لتتخطى هذه المرحلة الصعبة، خدمة لمستقبل مصر والأمة العربية لتستعيد مجدها ،وهذا ما يجب أن يفعله أبناء مصر ، فالمستقبل أمامها، والكلمة الفصل في جعبتها ، الثورات تنتكس وتنهض، تتراجع وتتقدم، وهذه الثورة ليست حالة شاذة عن باقي الثورات ، نضوج الثورة يحتاج الى صبر وحنكة وأبناء مصر يملكون المؤهلات والمعاناة قد تمتد لسنوات ، لكن في نهاية المطاف سيكتب تاريخ مشرف بدماء الشهداء الأبرار. فلن تضيع دماء الأحرار عبثا ، فالحياة تحركت في عروق أبناء مصر ومن الصعب أن يعودوا مرة أخرى إلى عهد الاستسلام والانقياد ،سيروا على بركة الله فالمستقبل المشرق يصنعه العظماء.
اللهم احفظ شعب مصر والأمة العربية من كيد الحاقدين ...اللهم آآمين