هل تتحقق الغاية من رفع الضرائب و الأسعار؟
قرار الرفع الأخير الذي طال ماد ة البنزين اوكتان 90 والذي ارتفع بنسبة كبيرة تقارب 13% , هذا القرار وغيره ياتي ضمن مجموعة من القرارات الحكومية ضمن الخطة التقشفية الجديدة لمواجهة العجز المتنامي في الموازنة العامة للدولة لعام 2012 الذي يتوقع وصولها إلى أكثر من ثلاثة مليارات دينار وبما تتجاوز نسبته 12% من الناتج القومي الاجمالي للاردن الذي يقارب العشرين مليار دينار سنويا, هذا العجز المتنامي ليدق ناقوس الخطر والذي قد يؤدي استمراره الى معضلة أقتصادية حقيقية,اذا أستمر الوضع كما هو ,وخصوصا في ظل تذبذب المنح والمساعدات الخارجية والتي في أفضل الأحوال لن تسد العجز في الموازنة العامة للدولة .
إن تلك الإجراءات الحكومية المتخذة والمتعلقة برفع وفرض الضرائب على بعض المنتجات والخدمات المتنوعة, و التي قدرت الحكومة مردودها بنحو 300-400 مليون على خزينة الدولة, قد تسهم بتخفيض عجز الموازنة العامة لسنة 2012 بشكل جزئي , ولكن السؤال الأهم هو: هل تستطيع هذه الإجراءات المجتزئة لوحدها حل مشكلة العجز الكبير في الموازنة العامة للدولة وتخفيض المديونية؟ أم إن الغاية من تلك الإجراءات هو استرضاء الجهات المانحة لتقديم المزيد من المنح والقروض والتسهيلات وبالتالي شراء المزيد من الوقت , والقفز عن المشكلة الحقيقية؟
هنالك العديد من المقترحات التي قد تسهم بشكل فعال في تخفيض عجز الموازنة وبالتالي الحيلولة دون تفاقم المديونية العامة للدولة, دون المضي قدما بالاقتراض الخارجي والداخلي الذي سوف يزيد من المديونية ومن تلك الاقتراحات مثلا: تفعيل وتحفيز الية مكافحة التهرب الضريبي , حيث ان الأموال المتهربة ضريبا قد تتجاوز 700 مليون دينار سنويا وهنالك بعض التقديرات التي تشير الى أكثر من ذلك بكثير, ويتم ذلك من خلال تغليظ و تفعيل نصوص العقوبات المتعلقة بالتهرب الضريبي في قانون ضريبة الدخل والمبيعات ,والعمل على تأهيل الكوادر و العاملين في مجال مكافحة التهرب الضريبي ,واستحداث جهة حكومية متخصصة بمكافحة التهرب الضريبي نظرا لأهمية القطاع الضريبي في رفد خزينة الدولة.
بالطبع قد لا تحظى بعض الحلول المطروحة و المتعلقة برفع الدعم و وقف الاعفاءات عن بعض السلع والخدمات بترحيب شعبي ,والتي ستعمل على رفع اسعار هذه السلع والخدمات بشكل مباشر وارتفاع سلع وخدمات اخرى بشكل غير مباشر.
يجب عند التفكير برفع الاسعار والضرائب على بعض السلع والخدمات ,ان يتم تحديد السلع والخدمات الكمالية والمشبعة في الشارع الاردني وفق دراسة عملية تقيس الاثر المباشر وغير المباشر لهذا الاجراء حتى لا يتككر سيناريو رفع التعرفة الكهربائية,فعلى سبيل المثال يمكن فرض الضريبة العامة على الأجهزة الخلوية بعد انتفاء الغرض من أعفاءها ,وأصبحت أعداد الاجهزة الخلوية أكثر من ضعف عدد السكان في الاردن,دون المساس بالسلع الحيوية الاساسية التي تمس الحياة اليومية للمواطنين بشكل مباشر.
كما يمكن زيادة ايرادات الدولة عن اعتماد آلية ضريبية تصاعدية على السيارات,بتخفيض قيمة الضرائب والجمارك على السيارات ذات سعة المحركات صغيرة ورفعها تصاعديا على السعات الأكبر,وبذلك يتم تقليص حجم الفاتورة النفطية للاردن بتشجيع المواطنين على شراء السيارات ذات سعات المحركات الصغيرة.
هذه الاقتراحات وغيرها يمكن إن تشكل جزء كبيرا من الحل لمشكلة العجز والمديونية المتفاقمة, لان قرارات رفع الأسعار على بعض المنتجات والسلع التي تمس الحياة اليومية للمواطنين سيكون لها رد فعل عكسي على الحكومة, ولن تحل مشكلة العجز في الموازنة ولن تستطيع كبح جماح المديونية الداخلية والخارجية التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على الاقتصاد الوطني,كما إن القرارات المتعلقة برفع الضرائب والأسعار لم ولن تلاقي ترحيبا شعبيا حتى وان فرضت ضرائب على سلع كمالية لا تمس 95% من المواطنين وذلك مرده لعدم وجود الثقة بين المواطن العادي وصانع القرار في الحكومة,و للأسف لم تعد التصريحات والمؤتمرات الصحفية تلاقي أي صدى لدى الغالبية الساحقة للأردنيين,فمن يستطيع بناء جسور الثقة بين الحكومة والمواطن!!؟؟