الإخوان المسلمون في الأردن وسؤال المواطنة

يواجه الإخوان المسلمون في الأردن أزمتين تخصانهم وحدهم دون سائر الإخوان المسلمين في الأقطار الأخرى. ذلك أن الجماعة في مصر والبلدان الأخرى حسمت أمرها باستبعاد التيار التكفيري الذي نشأ في ستينيات القرن العشرين في وسط الجماعة، فيما هذا التيار المتأثر بأفكار ومقولات سيد قطب وحزب التحرير امتد إلى الجماعة في الأردن، واستطاع أن يهيمن على قيادتها وعدد كبير من أعضائها. ويعتقد هذا التيار المهيمن أن الأنظمة السياسية القائمة اليوم كافرة لا يجوز المشاركة معها، وأن المجتمعات القائمة هي مجتمعات جاهلية؛ جاهلية بمعنى أنها ليست إسلامية، وليست الجاهلية التي تعني فترة ما قبل الإسلام كما هو سائد في الثقافة العربية والإسلامية. ولا تغير المشاركة العملية مع الأنظمة السياسية ومؤسساتها ومع المجتمعات من النظرة العقائدية "المفاصلة" مع الأنظمة والمجتمعات، لأنها أحكام قائمة على الضرورة التي تشبه مشاركة النبي يوسف مع فرعون مصر الكافر!
وتفاعلت هذه الأفكار التكفيرية لدى عدد كبير من أعضاء الجماعة وقادتها مع مزاج سياسي لا يرى في المواطنة عقدا اجتماعيا مع الدولة والمجتمعات والمشاركة فيها، أو تحكمها مشاعر المظلومية، وبعضها يملك مشاعر انفصالية جذرية عن المجتمع والدولة بدون أيديولوجيا حزب التحرير وسيد قطب؛ فامتزج الانفصال الشعوري الاجتماعي بالانفصال الأيديولوجي الديني، منشئا حالة جديدة أشد خطورة وقسوة من المفاصلة الدينية، وتشكلت مجتمعات ومجاميع ترى في التيار التكفيري من الإخوان قيادة اجتماعية معبرة عنها سياسيا واجتماعيا.
كانت الجماعة قد رجحت خياراتها نحو الاعتدال والمشاركة العامة والانفتاح على الأفكار والاتجاهات والتيارات في العام 1990، ولكن موجة الاحتقان السياسي التي سادت الأردن وفلسطين بسبب تراجع مستوى الديمقراطية والخلاف الكبير على معاهدة التسوية مع إسرائيل، ثم مقاطعة الانتخابات النيابية العام 1997؛ أسهمت في صعود المتشددين داخل الجماعة وانقسام المعتدلين.. وأخيرا كانت الضربة القوية للمعتدلين في أواخر التسعينيات بعد إبعاد قادة "حماس" من عمان، وما تبعها من انقسام داخلي وتوتر سياسي وتنظيمي مديد.
أدت هذه الأحداث الكبرى المتتابعة إلى إرهاق الإخوان داخليا وتشتت الرؤى والمواقف. وانحازت كتلة كبيرة ومؤثرة من المعتدلين إلى تيار التشدد الذي كان ممعنا في الأفول والانحسار.. وضاعت/ تأخرت فرصة كبرى ومهمة لتخليص الجماعة من أفكار طارئة عليها، ولا علاقة لها بها. وإنك لتعجب كيف ينحسر حزب التحرير من الساحة الأردنية، ولكنه ينمو مثل الفطر بقوة متنامية داخل جماعة الإخوان المسلمين، لترى عددا كبيرا من الإخوان تنظيميا لكنهم تحريريون فكرا!
الإخوان المسلمون اليوم، وهم في مرحلة من الصعود والحضور، يواجهون أكثر من أي مرحلة سابقة سؤال الحسم الفكري والعودة إلى أهداف الجماعة التي وضعها مؤسسها، والتخلص من الأشخاص الطارئين والأفكار الطارئة التي تثقل كاهل العمل الإسلامي والوطني.. فهل يفعلون؟
( الغد )