هل المصلحة تقتضي إقرار قانون دائم للضمان الاجتماعي..؟
بدأ مجلس النواب مناقشة قانون الضمان الاجتماعي في الوقت الضائع، فالمجلس يعيش آخر أيامه، ولا ألوم المجلس على التأخر في مناقشة هذا القانون لفرط ما زخرت به أجندته من تشريعات، ناهيك عن الجهد المضني الذي بذلته اللجنة المشتركة بين العمل والمالية في مناقشة القانون وإقراره ورفعه إلى المجلس بعد إدخال تعديلات جوهرية على بنوده شاركت فيها أطراف عديدة ذات علاقة ومعرفة بالقانون المؤقت النافذ، وهناك أكثر من مليون شخص حالياً ينتظرون ما سيسفر عنه هذا القانون وما سيُرتّبه من حقوق والتزامات على المنضوين تحت مظلة الضمان من مشتركين ومتقاعدين ومستحقين وأصحاب عمل، إضافة إلى مؤسسة الضمان التي تقوم على تطبيق هذا النظام التأميني، ويعنيها استمراريته ومتانته وقدرته على العطاء وتقديم الحماية الاجتماعية والاقتصادية للناس والوطن..
إن التأخر في إقرار قانون الضمان الاجتماعي من قبل السلطة التشريعية لا يخدم أحداً، وإن إصداره كقانون دائم متضمناً تعديلات متوازنة تحافظ على حقوق جميع الأطراف بات ضرورة وطنية واجتماعية ملحّة، خصوصاً في ظل الاختلاف والجدل الذي أثاره القانون المؤقت للضمان رقم 7 لسنة 2010 منذ أن بدأ العمل به في 1/5/2010، ولم تتوصل مختلف الأطراف المتجادلة إلى حلول حقيقية ناجعة للخلافات، مما أصبحت معه مؤسسة الضمان الاجتماعي في وضع لا تُحسد عليه، حيث اتسعت المسافة بينها وبين الناس، وكان الطموح أن تضيق هذه المسافة لا بل أن تتلاشى، فمؤسسة اجتماعية اقتصادية كبيرة بحجم وطبيعة عمل مؤسسة الضمان الاجتماعي، يجب أن تحظى بكامل حُب الناس واحترامهم، فإذا ما أصابها أحدٌ بسوء، لا سمح الله، انبرى لها الناس يدافعون عنها, شعوراً عميقاً بأنهم يدافعون عن بيتهم..!
إنني أرى أن قانون الضمان الاجتماعي من القوانين الأكثر أهمية بالنسبة للناس، والتي ينبغي أن تكون لها الأولوية لدى السلطة التشريعية ولدى الحكومة أيضاً، وربما كان أهم من التشريعات السياسية التي انشغل بها مجلس النواب خلال الفترة الماضية بالنسبة للمواطن، ففي كل يوم هناك مَنْ تترتب له حقوق وفقاً للقانون المؤقت الساري، وإذا كان ثمّة تعديلات تتعلق بهذا الحقوق، فإن العدالة تقتضي الإسراع في إقراره وإصداره كقانون دائم حتى يتساوى الناس في الحقوق المترتبة لهم وفقاً لهذا التشريع.
الاستقرار التشريعي مطلوب وبخاصة في التشريعات التي تهم الغالبية العظمى من المواطنين، وقانون الضمان الاجتماعي الذي أشْغل الرأي العام لخمس سنوات ماضية، من القوانين التي ينتظرها الناس بفارغ الصبر، وتتزايد أهمية هذا التشريع في الأوقات الحرجة من الأزمات المالية والاقتصادية، والأوقات التي يرتفع فيها منسوب الاحتقان الاجتماعي، وكلّما اتّسم هذا التشريع بالمرونة والتوازن والمواءمة بين الحقوق والالتزامات كلما ساعد ذلك على خلق بيئة اجتماعية مريحة في المجتمع، ونأمل أن يتمكّن مجلس النواب من استئناف مناقشة هذا القانون آخذاً بالاعتبار ضرورة إقراره خلال الأيام المتبقية من عمر المجلس، وما لم يفعل، فإن ذلك يعني إرجاء القانون إلى صيف العام القادم على أقل تقدير، وإبقاء الناس في حالة ترقّب وعدم استقرار، ناهيك عن الصعوبات التي يمكن أن تواجه عمل مؤسسة الضمان في ظل حالة الاختلاف بينها وبين أطراف أخرى ذات علاقة على القانون النافذ، فهل من المصلحة الإبقاء على حالة الترقّب وعدم اليقين، أم إقرار قانون ضمان دائم متوازن وبث الطمأنينة في النفوس وإراحة الرأي العام..!!؟
إن الأمل معقود على الملك الحريص على مصالح شعبه لكي يدعو مجلس النواب لدورة استثنائية لأسبوعين فقط يناقش خلالها قانون الضمان الاجتماعي في إطار ما تقتضيه المصلحة العامة للشعب والوطن لكي يصدر هذا القانون بالسرعة الممكنة، وتستقر حقوق الناس، وتتحقق رؤية الملك في ضمان اجتماعي شامل لكل مواطن، قادر على التمكين والتنمية.