قانون الانتخاب "ثقب" في قارب الوطن!
تم نشره السبت 23rd حزيران / يونيو 2012 10:19 صباحاً
هاني الحوراني
في مقابلته المطولة مع صحيفة "الحياة" اللندنية 20/6/2012، استخدم جلالة الملك عبد الله الثاني تعبيراً جميلاً، إتخذته صحيفة "الرأي" شبه الرسمية مانشيتاً رئيسياً في اليوم التالي، وهو قوله "أنا وشعبي في قارب واحد".
ما أجمله من تعبير، أن يكون إحساس القائد أنه في ذات القارب مع شعبه، ومثله تأكيد عزمه على المضي بالاصلاح الذي به حماية للوطن. لكن ما نخشاه، ولا نتمناه أن يكون قانون الانتخاب، كما خرج من مجلس النواب ويوشك مجلس الأعيان على مناقشته خلال اليومين القادمين- نقول أن يكون هذا القانون بمثابة ثقب في قارب الوطن، بدلاً من أن يكون أحد مجاديف القارب، مع التشريعات الاصلاحية الأخرى، لتتقدم به وبالوطن الأردني إلى الأمام.
وأسارع إلى القول بأن الهدف الأسمى لنا في هذه المرحلة ليس الاسراع باقرار قانون الانتخاب، لأن إجراء الانتخابات النيابية في نهاية هذا العام ليس أسمى ولا أكثر أولوية من إجرائها على أساس قانون توافقي بعد شهر أو شهرين من نهاية هذا العام. وبهذا المعنى فإن نهاية العام ليس "موعداً مقدساً" لإجراء الانتخابات، لكن التوافق على قانون الانتخاب هو الأدعى للاحترام والالتزام ولو تطلب ذلك تأخير الانتخابات النيابية لشهر أو ثلاثة لاحقة. ومن هنا فإن على مجلس الأعيان مسؤولية تاريخية بأن يتحرر من ضغط المواعيد غير المقدسة، وأن يعيد النظر في قانون الانتخاب، كما جاء من جانب مجلس النواب، وأن يأخذ وقته في استدراك ما فشل فيه مجلس النواب، وحتى ولو تطلب الأمر إنتهاء مدة الدورة الاستثنائية الحالية دون إقرار القانون العتيد من المجلسين، أو تطلب الدعوة لعقد دورة استثنائية ثانية. إن إنقاذ قارب الوطن من ثقب قانون المجلس النيابي أكثر قداسة وأدعى للالتزام به من مواعيد إفتراضية تقودنا إلى التهور بإقرار قانون بدأت سحب معارضته بالتجمع وتنذر بانقسام وطني خطير حوله.
فما الذي يمكن أن يقوم به مجلس الأعيان لتدارك سحب المقاطعة الواسعة التي بدأت بالتجمع؟ وما قيمة الاصلاحات السياسية السابقة إذا لم يترافق معها إصلاح حقيقي لقانون الانتخاب (وليس مجرد إعادة تغليفه بورق جديد) باعتباره التجسيد الرئيسي للاصلاح السياسي المنشود، وإذا لم يترافق مع حماية الصف الوطني من الانقسام الوشيك؟
إن الخطوة الرئيسية المطلوبة من مجلس الأعيان هو رفع عدد مقاعد القائمة النسبية الوطنية بما يصل الى 27 مقعد بدلاً من 17 مقعد على الاقل، بما يجعل نسبتها العامة 18% من مقاعد البرلمان بدلاً من 12% حالياً. وهو حل وسط مع المطالبين بعدد أكبر من المقاعد للقائمة الوطنية تصل الى 25-30% من مقاعد المجلس. وبذلك فإن هذه الخطوة تجعل من قانون الانتخاب أقرب ما يكون الى النظام المختلط، في حين أن حصر مقاعد القائمة الوطنية بـ 17 مقعد لا يغير من طبيعة القانون الحالي الذي سوف ينظر له باعتباره "إعادة انتاج" لقانون الصوت الواحد.
إن زيادة عدد مقاعد المجلس عشرة مقاعد إضافية لصالح الدائرة الوطنية (الدائرة الانتخابية العامة) ليس بالثمن الباهظ، مقابل تفادي الانقسام السياسي القائم والمرشح للاتساع والتحول الى مقاطعة وإلى إحجام عن المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة. خاصة وان الظروف الاقتصادية السائدة، وقبلها الظروف الاقليمية، تشجع على المقاطعة، مما يهدد كامل عملية الاصلاح السياسي بمصائر مفجعة.
من ناحية أخرى فإن المقاعد العشرة الاضافية للدائرة الوطنية (أو العامة) لا تخرق وإنما تعزز دعوة جلالة الملك الى "إصلاح متدرج"، او اصلاح محسوب، يتجنب "القفز نحو المجهول".
فوق ذلك فإننا ندعو مجلس الاعيان لتبني تعزيز المشاركة النسائية في مجلس النواب عن طريق اشتراط أن لايقل عدد النساء المرشحات على القوائم الوطنية (الدائرة الانتخابية العامة) عن الثلث، أي أن تكون هناك إمرأة مرشحة من بين كل ثلاثة مرشحين في هذه القوائم، وبذلك يتم إلزام القوائم المتنافسة بإدخال النساء ضمن مرشحيها، وهو ما يشكل تعزيزاً لحصة النساء في مجلس النواب، ويفتح الباب أمام تحسين نوعية تمثيل المرأة فيه، بدخول كفاءات نسائية وطنية إليه.
هناك جانب عملي في إقتراحنا أعلاه، وهو أن الاكتفاء بـ 17 مقعد للدائرة الوطنية (او الدائرة الانتخابية العامة حسب تعبير مشروع قانون الانتخاب) يعني أن الحد الادنى من الاصوات اللازمة للفوز بمقعد في هذه الدائرة سوف لن يقل عن 100 الف صوت، وربما يتطلب 120 الف صوت، على افتراض أن عدد المقترعين لن يتجاوز 2 مليون مقترع، وكلما زاد عدد المقترعين فإن العدد المطلوب من الاصوات للفوز بمقعد عن الدائرة الوطنية سيرتفع أكثر. لكن زيادة عدد مقاعد الدائرة الوطنية الى 27 مقعداً يعني أن الفوز بمقعد سوف يتطلب ما بين 50 و70 الف صوت، وهو رقم كبير لكنه اكثر واقعية من زاوية القدرة على حشد وتعبئة الناخبين من جانب القوائم الوطنية، كما أن زيادة مقاعد الدائرة الوطنية العامة سوف يقلل الفارق الهائل بين عدد الاصوات اللازمة للفوز في الدائرة المحلية وتلك الأصوات اللازمة للفوز في الدائرة الوطنية.
مرة اخرى مجلس نواب من 150 مقعداً لا يختلف كثيراً عن عدد مقاعد المجلس المقترح من جانب المجلس النيابي الحالي، بل ويقترب من العدد الذي كان يمكن الوصول اليه لو اعتمدت فكرة المقاعد التعويضية، والتي كانت ستصل به الى حوالي 144 مقعداً.
ثمة مجالات عديدة أخرى لتحسين مشروع قانون الانتخاب، كما خرج من جانب مجلس النواب إذا ما استجاب مجلس الأعيان الى دقة اللحظة التاريخية الفارقة التي يعيشها الاردن وتحملوا مسؤولياتهم، وقالوا: الاعتبار الأول هو للخروج بقانون عصري يحقق أقصى قدر من التوافق الوطني، وليس لموعد إجراء الانتخابات، التي يمكن أن تتأخر لشهر أو شهرين اضافيين.
إن رفع عدد مقاعد الدائرة الوطنية الى 27 مقعد بدلاً من 17، ورفع عدد مقاعد المجلس الى 150 بدلاً من 140 سوف يشكل فارقاً نوعياً يسمح بتفادي الذهاب طوعاً الى الانقسام الداخلي والى مقاطعة سياسية ... أين منها مقاطعة انتخابات 1997 أو 2007 ؟!