سورية.. إشارات ودلالات !

لم يعد جائزا السكوت على بعض الجوانب الملتبسة في المشهد الدامي في العزيزة سوريا، فبعد صبر امتد لاكثر من اربعين عاماً قام الشعب هناك بثورته امتداداً لثورات الربيع العربي من اجل حريته وكرامته وإنهاء الظلم والفساد والاستبداد وفضح اكذوبة ((المقاومة والممانعة)) التي استخدمها النظام للتغطية على دكتاتوريته كما ادعى بفكر قومي سخّره للابقاء على حكم العائلة المتدثرة زوراً بعباءة طائفة، وقد قدم هذا الشعب الشجاع خلال الخمسة عشر شهراً الماضية عشرات الآلاف من القتلى والمصابين واعداداً لا يمكن حصرها من المعتقلين وبعضهم عذبوا حتى الموت (اتذكرون الناشط السياسي غياث مطر أيلول 2011 ؟) ربما في نفس السجون التي استأجرتها أميركا في السنوات الأخيرة كي تستعملها ال CIA للتحقيق مع سجنائها! لذلك فان من المؤلم أن تُواجَه هذه التضحيات احياناً بالانكار والخذلان فيوصف المتظاهرون الذين يخرجون يوميا بصدورهم العارية بأنهم ارهابيون، وحين يُضطرون لتنظيم أنفسهم والدفاع بالسلاح عن بيوتهم واهلهم امام الدبابات والمدفعية الثقيلة يُنعتون بأنهم عصابات مسلحة ثم يُتهمون بأنهم ادوات في مؤامرة اجنبية لتقسيم البلاد أو بأنهم يمهدون لاستيلاء الاسلاميين على الحكم واعادة سوريا الى عصر الذمة وما في ذلك من افزاع مقصود لغير المسلمين.. !
ومن الغريب ايضاً بل المحرج أن نجد بين ظهرانينا نفراً من الناشطين الوطنيين الذين نجلهم ونحترمهم وقد كانوا وما زالوا في مقدمة الصفوف انتصاراً للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان يساهمون هذه الأيام بقصد أو بدون قصد في التشكيك بالثورة ووجودها أصلاً الى حد نعت كل ما يشاهده العالم من مذابح وحرائق وتدمير بأنها مجرد لقطات تلفزيونية مزيفة ويصفون المعارضة السورية بأنها مجموعة من العملاء مع اننا نعرف ويعرفون فيها قامات وطنية شامخة قضى بعضها في سجون النظام السوري سنوات طويلة، ونعرف ويعرفون رموزاً منها في الداخل يتجاهلها النظام ويخشى أن يحاورها، وللانصاف فان اكثر هؤلاء الناشطين لا يدافعون عن النظام الدكتاتوري نفسه لكنهم مع الاسف يصدقون ما يقوله أو يزعمه، كما يقبلون في صفوفهم اولئك الذين يداهنونه علناً وقد كانوا بالأمس غير البعيد يصطفون مع نظام صدام في بغداد ضد نظام الاسد في دمشق !
من جانبه يستمر النظام السوري في سياسة القمع الدموي لكنه يفشل في اخماد الثورة ولا ينفك يشكو من تآمر دول اجنبية وعربية عليه وهو نفسه يستقوي بدول أخرى ! وليس سراً بالطبع أن لكل تلك الدول سواء منها التي تؤيد النظام او التي تعارضه مصالحَ تريد تحقيقها ومخططاتٍ تغتنم الفرصة لتنفيذها ولا يغيب عن البال الدور الذي تلعبه اسرائيل، ثم أن هذا النظام رغم ما يبدي من المكابرة أمام الرأي العام العالمي فانه يتراجع ويقبل ما كان في السابق يرفضه باعتباره تدخلاً في شؤونه الداخلية، ومع الوقت سوف يضيق عليه الخناق من الخارج - كما من الداخل - خصوصاً بعد أن تتخلى عنه بعض القوى المؤيدة حين تتبدل المصالح وتنجح الصفقات السياسية !
وبعد.. إذا كنا من المؤمنين بأن الشعب السوري هو سيد تاريخه وأنه المنتصر في نهاية المطاف فلماذا لا ندعمه ونعجل في انتصاره ؟ ولماذا لا نستجيب لصرخات استغاثته قبل أن يلبيها الغرباء لأغراضهم الخاصة ؟ فندرأ بذلك اخطاراً محدقةً به من الخارج يستدرجها حاكمٌ لاهمّ له إلا المحافظة على سلطته، ونمنع بالتالي شراً مستطيراً كالذي أصاب بلداً عربياً مجاوراً..
ألم نتعظ ؟! ( الرأي )