على طرفي حوران.. جرش تغني ودرعاه تنزف!
لست ضد مهرجان جرش، لأنه: من الممكن له أن يحمل رسالتنا الثقافية والتاريخية والفنية، ويمثل بوابة استثمار سياحيِّ مجديا، وسفيرا أردنيا عربيا نابضا وساكنا للعقول والقلوب.. محملا بجاذبية طارقة. ولذلك يتطلب الحفاظ عليه ودعمه من خلال تأطيره الثقافي وبمشاركة مجتمع محلي جرش وعدم تسليعه أو شيطنته أو عزله أو تغريبه.
سنكون مع استمرار مهرجان جرش للثقافة والفنون.. فقط لأنه: حلم كل شاعر وأديب وقاص وكاتب ورسام وفنان وعازف وبهلوان وفرق الباليه وكل فرقة تراث شعبي أجنبية كانت أو عربية ومحلية.. وحلم كل بائع ترمس وشعر البنات وبوشار.. حلم كل شاب اصطحب كاميراته الرقمية يفتش عن كاظم والعم غافل، وكل فتاة رافقت أبيها لرسام الوجوه.. معه لأنه: حلم حسين الخطيب وصحبه.. ربيع شهاب، وعثمان شمايلة. معه لأنه: حلم لكل عربي وعربية.
لجنته العليا ولجنته الإدارية حققت حلما لطالما استجابتا العام الماضي لما كتبت شخصيا يوم نقلت احتجاج أبناء جرش الموسمي العام الماضي والمعتاد سنويا منذ عقود.. حينها أشركت إدارة المهرجان من فورها المجتمع المحلي، وشبكت المهرجان مع بيئته البشرية.. مما جعله يعود مباشرة بعشرات ألوف الدنانير على أهالي جرش.. وطورت الإدارة هذا العام العلاقة ووسعت قاعدة المشاركة وازدادت المنفعة وأصبح في اللجنة العليا عضوين من المجتمع المحلي وأصبحت لجنة الإدارة وكوادرها التنفيذية والميدانية في اغلبها محلية، وقدمت الإدارة كل التسهيلات لمشاركة الفرق الجرشية وجمعياتها المنتجة، وخصت شبابها بواقع ستون فرصة للعمل في الاستقبال، وشكلت لجنة محلية من أربعين شخص بمخصصات مالية لتفعيل الدور الحقيقي لمجتمع جرش المحلي، وحصرت الخدمات المقدمة لرواد المهرجان بهم.. وزيادة على ذلك شكلت لجنة إعلامية من إعلاميي المحافظة وبمخصصات مالية مجزية لحقها تقشف هذا العام دون أي اعتراض من الصحفيين.. وكنت آثرت على نفسي ألا أكون في هذه اللجنة الإعلامية لأبقى مستقلا.
كي لا أطيل.. مع إدارة محمد ابو سماقة الحثيثة والتفاعلية وإدارة اكرم مصاروة الغامضة وعقل بلتاجي العميقة.. ولطالما أنهم يلتقطون الإشارة جيدا ويستجيبون لها، ومهتمون بكل الإبعاد.. فإن الخطر هذا العام على استمرار المهرجان هو تغريبه، فلا يعقل أن ترقص جرش على طرف حوران الجنوبي وتنزف درعاه على طرفه الشمالي.. متناسيين جميعا أن جرش ملئا بأهل الشام والحوارنه، ومتناسين الروابط الدينية والعرقية والقومية، والمسئولية الأخلاقية تجاه سوريا وأهلها، وواقع أزمتها الدموية، فنجعل من المهرجان رقصا على جراح إخوتنا، فيكون سبة على الأردن وأهله..
أذكر انه في دورات سابقة للمهرجان تفاعلت الإدارة حينها مع أزمات قد تكون شبيهة بالأزمة السورية.. منها في لبنان الشقيق ومنها في فلسطين الحبيبة.. وقامت اللجنة وقتها بالتأجيل أو الإلغاء من تلقاء نفسها وليس ردة فعل لأي ضغوطات شعبية أرى أنها تتولد وتتعاظم بسرعة بهذا التوقيت المحفوف بمخاطر سياسية وأخلاقية.
لأن السؤال هنا: كيف سينسجم رقصنا مع محيطنا العربي النازف..؟ فهل نستحدث فعاليات تحاكي الربيع العربي..؟ نقرأ فيها الفاتحة على أرواح شهدائنا..! هل نطفئ الأضواء في الساحة الرئيسية للمهرجان أو نجعلها خافتة.. ولو لربع ساعة..؟!
هل نقول لدرعاه: عذرا.. المسيرة مستمرة رغم الجراح؟