الفرعون أم الدُّمْيَة؟؟

يرى بعض المصريين أن صلاحيات الرئيس السابق وفقاً لدستور عام 1971 هي صلاحيات فرعونية، فهو الآمر الناهي في كل شيء ولأجله يعاد تكييف القوانين ومواد الدستور، مقابل ذلك يرى الاخوان المسلمون وذراعهم الحزبي أن نزع صلاحيات الرئيس الجديد تبعاً لما صدر عن المجلس العسكري من دستور مكمّل يحوله الى مجرد دمية، تتلاعب به القوات المسلحة كيفما تشاء، ولا حول له ولا قوة ازاء نفوذها وصلاحياتها.
ها نحن مرة أخرى ازاء ثنائية من الطراز «المانوي» القديم، فالرئيس إما فرعون أو دمية.
والمرشحان الأكثر حظاً رغم فوز أحدهما بنسبة طفيفة كانا يمثلان تهديداً للدولة المدنية الديمقراطية والحديثة، بحيث تقع بين سندان التَّدْيين ومطرقة العسكرة! أما من ظلال رمادية بين هذا الأسود الفاحم والأبيض الناصع اذا قبلنا ما تصف به الأطراف بعضها؟
ان الطريق الثالث في طبعته المصرية الجديدة والتي لم تجرب ميدانياً حتى الآن لن يكون مسك الختام، لأن الصراع في حال تفاقمه يحدث بين قوتين كبيرتين في البلاد، هما المجلس العسكري بكل سلطاته وأسلحته وبين الاخوان بكل تعدادهم وصرامة تنظيمهم وخبرة الثمانين عاماً. أي طريق ثالث من شخصيات عامة مستقلة واكاديمية وناشطين لن يقوى على الاقامة وبقوة في الوسط، وسينتهي الى ما انتهت اليه كتلة ما سمي عدم الانحياز، مجرد فولكلور سياسي.
لماذا اندفعت القضايا العربية كلها الى هذه الثنائيات؟ وكأنه ما من بعد ثالث لأي قضية..؟
فإما الاستبداد المحلي أو الاحتلال وإما النظام الدموي أو النّاتو، وأخيراً إما الفرعون أو الدّمية؟
لقد ولد البعد الثالث في التاريخ من جدلية فاعلة وحيوية لأن المران على الحوار والاعتراف بحق الاختلاف أدّيا الى ما يسمى تدوير الزوايا الحادة أو تَسْنين الكتلة، بالمعنى الفيزيائي بالطبع وليس بالمعنى الديني المذهبي. ان مجتمعات اخترعت خانتين فقط لتصنيف البشر بين ملاك وشيطان وخائن وبطل وصادق وكاذب وزوج أو طليق وصديق أو عدو من شأنها أن تحول واو العطف التي تعني الاضافة الى ثنائية إما أو التي تعني المفاضلة الحاسمة وأخيراً الحذف!
أما من منطقة وسطى بين الفرعون والدُّمْية وبين المعسكر ورجال الدين وبين دستور ملفق بأسلوب امبراطوري يعطي الرئيس صلاحيات بلا حدود، وبين دستور ينزع هذه الصلاحيات ولا يبقي غير البروتوكول والسجادة الحمراء؟
حتى في الانتخابات لا يبقى من ثلاثة عشر مرشحاً من مختلف الأطياف غير اثنين فإما هذا أو ذاك.. وأحياناً ينتخب هذا نكاية بذاك فقط كما حدث مراراً في عالمنا العربي خلال العقد الأخير!! ( الدستور )