منْ يحمي الحقوق العمالية..؟!
تزخر التشريعات الأردنية وبخاصة قانون العمل بالعديد من الحقوق والمزايا التي حرص المشرّع على إدراجها ضمن تشريعات ملزمة بما يصون كرامة الإنسان العامل ويحافظ على مكانته في المجتمع، وبما يوفر له الحياة الكريمة والمعيشة اللائقة وبيئة العمل المناسبة، لكي يُنتج بكفاءة وبجودة.
ولكن المشكلة التي نواجهها في المجتمع الأردني ولا بد من الاعتراف بها، أن هناك تعديات على هذه الحقوق، وافتئات على العامل وفي كثير من الأحيان هضم لحقوقه بصورة تتجاوز على القانون والعرف والإنسانية، وتترك آثاراً سلبية كبيرة على العامل وأسرته وبالتالي على المجتمع..!
والكثير من التعديات على الحقوق العمالية غير مبررة، لا بل لا تكاد تجد لها تفسيراً، أو تتبيّن المصلحة في هذا الانتهاك، فما الذي يجعل هذا المسؤول أو ذاك يمتنع عن إعطاء حقوق العاملين التي نصّت عليها القوانين، فما الذي يمنع مثلاً من إعطاء الأجر العادل، والذي يجب أن لا يقل عن الحد الأدنى للأجور المحدد من قبل الحكومة وفقاً لقانون العمل، ولماذا إصرار الكثير من المؤسسات في القطاعين العام والخاص على تجاهل الحد الأدنى للأجر والاستمرار في إعطاء أجر أقل منه، وما المصلحة في ذلك، وما هو شعور العامل الذي يُبتسر حقه أمام عينيه، وكيف سيُنجز، وما مدى ما سيشعر به من انتماء وولاء لعمله ولصاحب عمله.. وما شعور منْ يرى مسؤولاً يضرب القانون بعرض الحائط ولا يأبه بتطبيقه ولا يجد من يُلزمه بذلك، فما بالك إذا كان هذا المسؤول مسؤولاً عاماً يحتل مركزاً في مؤسسات الدولة الرسمية..!!؟
ومن التعديات الأخرى حرمان العامل من الإجازات التي نص عليه قانون العمل سواء الإجازة السنوية أو الإجازة المرضية، أو إجازة الأمومة بالنسبة للمرأة العاملة، وكلها حقوق أصيلة من حقوق العمال، فلماذا حرمانهم من هذه الحقوق، فإذا ما اضطر عامل ما إلى التغيب يوماً عن عمله، حُسمت منه أجرة ذلك اليوم..! ولماذا يُحرم غالبية العمال من التأمين الصحي، وتُحرم فئات منهم من الضمان الاجتماعي، ونحن جميعاً ندرك مدى أهمية هذه التأمينات للعامل وللمجتمع وكيف تسهم في الحد من الفقر وفي بث الطمأنينة في نفوس العمال، ودفعهم إلى مزيد من العطاء والإنتاج..!
أما ما يتعلق ببيئة العمل المناسبة، فحدّث ولا حرج عن تجاوزات مذهلة وغياب مدهش لبيئة عمل تحافظ على سلامة العاملين وصحتهم الجسدية والنفسية، ففي حين نقرأ في التشريعات ضرورة قيام صاحب العمل بتوفير بيئة عمل ملائمة تتضمن كافة الاحتياطات والتدابير الضامنة لحماية الأيدي العاملة لديه من مخاطر العمل بما في ذلك تدريب العامل على العمل وتعريفه بمخاطر طبيعة المهنة التي يمارسها وإجراء الفحوصات الطبية الدورية وغيرها، نجد أن ذلك يكاد يكون منعدماً لدى الكثير من المؤسسات والشركات وبيئات العمل..!! ناهيك عن انتهاكات أخرى تتعلق بالفصل التعسفي والتهديد والاستغلال البشع للعامل وتشغيله فوق طاقته، واستغلال المرأة العاملة وتشغيلها في أعمال وأوقات حظرها القانون، وأحياناً إنهاء خدمتها خلال الأشهر الأخيرة من الحمل أو خلال تمتعها بإجازة الأمومة، أو خلال الإجازة المرضية، وقد رأينا حالات مؤلمة أنهيت فيها خدمات عمال أثناء فترات إقامتهم في المستشفى لتلقي العلاج، ثم توفوا ففقدوا الكثير من حقوقهم الأساسية، كما رأينا حالات اضطرت فيها بعض النساء إلى العودة إلى العمل بعد (14) يوماً من إنجابهن تحت ضغط الحاجة ووقف أجورهن في حال استمرارهن في إجازة الأمومة غير المدفوعة..!!
في جعبتي الكثير من الأمثلة على انتهاكات لحقوق عمالية، ليس فقط في مؤسسات القطاع الخاص، وإنما امتدّ ذلك إلى الكثير من مؤسسات القطاع العام، وأنا اعني ما أقول وأعيه تماماً، وقد أُضطر لاحقاً إلى ذكر هذه أسماء المؤسسات ومضمون الانتهاكات العمالية فيها، فهل من المقبول أن نسكت على مخالفات صارخة للتشريعات العمالية واعتداءات على حقوق عمال الوطن، في الوقت الذي يشدّد فيه سيد البلاد على الاهتمام بسواعد البناء وإعطائهم حقوقهم كاملة غير منقوصة..!!؟ ماذا يقول المسؤولون في الحكومة وهنالك أكثر من (25) ألف عامل مياومة في أروقة وزاراتنا ومؤسساتنا الرسمية يعاني الكثيرون منهم من ابتسار لحقوقهم ويتألمون ويشكون ولكن ما من سميع ولا من سائل وما من مجيب..!!
علينا ان ندرك أن العدالة في الحقوق أساس متين لبناء مجتمع سليم، وما من دولة لا تحترم عمالها إلاّ ندمت وخسرت، وما من مسؤول لا يحافظ على حقوق العمال ويصونها بقوة القانون إلاّ خسر وندم، وإذا كان هناك من ْ يسكت على انتهاك حقوق عمالية فما ذلك إلاّ لأنه ضعيف، والضعيف لا يحمي قانوناً، ومن الكرامة له أن يرحل أو أن يُعزل..!!