قراءة هادئة في «حراكات» اربد!

ما الذي دفع “الناشطين” في اربد الى تصعيد حراكاتهم في الشارع، اعتقد أن اربعة أسباب على الاقل تقف وراء ذلك، لكن قبل أن احررها أستأذن بالاشارة الى مسألتين: احداهما أن الحراكات في اربد انطلقت قبل مرحلة “الاصلاح” فقد شكل المعلمون هناك اثناء المطالبة بالنقابة ما يشبه “السند” الاساسي للزخم الحراكي آنذاك، لكن حركة الشارع بعد ذلك تأخرت قليلاً (على الاقل في زخمها) عن حراكات الاطراف المطالبة بالاصلاح في الكرك والطفيلة مثلاً، أما المسألة الاخرى فتتعلق بخارطة الشارع هناك، اذ ان نحو 60% من الذين يخرجون فيه هم مجموعات من الشباب غير المنظمين سياسياً، فيما ينتسب الباقون الى احزاب او تيارات سياسية مختلفة.
بالعودة الى أسباب التصعيد يمكن أن نلاحظ بأن أهمها وجود حالة من الانسجام بين “الناشطين” الذين يتوزعون فكرياً وسياسياً على تيارات مختلفة، فقد اختفت الى حد بعيد “نغمة” الانقسام والاختلاف بين هؤلاء، واستطاعوا أن يفرزوا “ارضية” مشتركة تحركوا من خلالها لايصال رسائلهم، ومن الملاحظ هنا أن حدّة الهتافات التي رفعت في المسيرات (وقد دفعت البعض الى الانسحاب) تدرجت في المستوى حتى وصلت الى حدودها الحالية.
ثمة سبب اخر وهو يتعلق “بالمنافسات” التي صنعتها سياسات “التقسيم الجهوي” والمناطقي، ذلك ان بعض الشباب في اربد يشعرون بانهم ليسوا أقل من غيرهم (لا وطنية ولا معارضة ولا بالقدرة على الخروج للشارع)، وبالتالي فان اتجاه الانظار الى اطراف اخرى بحجة زخم حراكاتها ربما دفع هؤلاء الى نوع من “رد الفعل والاعتبار”، وكانهم يريدون أن يقولوا بان اوضاع الناس في اربد لا تختلف عن أوضاع الناس في المدن الاخرى من جهة “الحاجة الى الاصلاح”، وبالتالي فان احتجاجهم في الشارع مسألة طبيعية والعكس صحيح، وقد غذت هذه المشاعر للاسف بعض السياسات الحكومية التي حاولت ان تطفئ الحراكات “بالاسترضاء” فيما لم تتوجه الى المناطق التي تشهد ذلك بحجة ان الرضى الشعبي هناك تحصيل حاصل.
يمكن ان نضيف الى ذلك اسباباً اخرى منها “امتداد” حالة الشعور بالضيق الاقتصادي خاصة في ظل حالة الركود الاقتصادي (اربد تعتمد على التجارة والزراعة) وارتفاع الاسعار، او الشعور بالضيق السياسي بعد أن تعطل مشروع الاصلاح وتراجع للخلف، ومنها – ايضاً – اعتماد المعلمين (الذي يشكلون مع الموظفين جزءاً من الحراك) على تجربة سابقة لهم اثناء المطالبة “بالنقابة” ومحاولة الاستفادة منها في التحشيد للشارع، ومنها بروز شخصيات عديدة معارضة هناك، ربما كان لها دور ما في توجيه المزاج العام وتحفيزه.
حالة اربد، تبدو مختلفة، وربما مفاجئة للبعض، لكن من واجبنا ان نقرأها ونفهمها بدقة. ( الدستور )