«الصفقة الدولية» حول سوريا .. الفرص والعوائق

تلوح في الأفق ملامح “صفقة دولية” بخصوص سوريا، لم نعرف بعد سوى القليل عن عناصرها الرئيسة، منها أن هذه الصفقة تبني على “مبادئ كوفي عنان الستة”، ومنها أيضاً تأليف حكومة وحدة وطنية، من النظام والمعارضة، تتولى إدارة عملية الإنتقال السياسي بسوريا نحو الديمقراطية...لا نعرف بعد ماذا بشأن “النموذج اليمني”، ولا ماذا قرّر “الدوليون” بخصوص مستقبل الأسد.
لكن وبالاستناد إلى “روح التوافق” التي استثنت طهران والرياض من قائمة المدعوين لـ”وليمة جنيف”، وبالنظر لمكان انعقاد “مجموعة الاتصال” الخاصة بسوريا، نستطيع أن نستنتج أن الوجهة العامة للتوافق الدولي الآخذ في التشكل، تسعى الى تفادي المواجهة بين المعسكرين المُحتربين في سوريا وعليها، والبحث عن “حلول وسط”، لا ترضي النظام، ولا تحظى بقبول المعارضة (حتى الآن على الأقل)، بيد أنها تظل مع ذلك الأمل الوحيد لسوريا للخروج من عنق الزجاجة.
الرئيس السوري استبق اجتماعات جنيف بالإعلان أن أي حل لسوريا ينبغي أن يكون “سورياً”، في تلميح فُهمَ منه رد مُبكر على “التوافق الدولي” ومحاولة للانسحاب من التزاماته واستحقاقاته....في المقابل حرصت المعارضة، بعضها على الأقل (المجلس الوطني) على تأكيد موقفها الرافض للحوار مع النظام، أو النظر إليه كجزء من الحل بعد أن ظلت تتحدث عنه بوصفه أصل المشكلة ورأُس البلاء في طول البلاد وعرضها.
من بين المشاركين الذين يشكل حضورهم خروجاً عن “روح التوافق” الدولية التي مهّدت الطريق للقاء جنيف، نتوقف أمام دولتين اثنتين: الأولى، قطر، التي تتموضع في قلب جبهة “المتورطين” مالياً وتسليحياً وإعلامياً ودبلوماسياً في الحرب على النظام، لكن حضورها اجتماعات مجموعة الاتصال، جاء بحكم ترؤسها للجنة الوزارية العربية الخاصة بسوريا، وهي “الرئاسة” التي قاتلت قطر والسعودية للاحتفاظ بها، لضمان “تجيير” الموقف العربي لصالح برنامجهما الأكثر عدائية حيال النظام السوري...الدولة الثانية هي تركيا، التي لا نعرف لماذا تُدعى للاجتماعات في الوقت الذي يُستثنى فيه الأردن ولبنان وإيران، أللهم إلا إذا قبلنا بالفرضية التي تقول إن الكويت ستشارك بوصفها رئيسة المجلس الوزاري العربي، والعراق بوصفه رئيساً للقمة العربية.
كنّا نفضل أن تدعى للمؤتمر كل دول الجوار من دون استثناء، فضلاً عن السعودية ومصر وإيران، فلهذه الأطراف مكانة “وازنة” في سياسات المنطقة ومواقع لا يُستهان بها في محاورها وتحالفاتها...وكان من الأجدى إشراكها في اللقاءات، بدلاً من إقصائها.
على أية حال، نحن لا نعرف بعد ما الذي ستتمخض عنه اجتماعات مجموعة الاتصال...الأرجح أنها ستخرج بنتائج أفضل من تلك التي شهدتها اجتماعات تونس واسطنبول لـ”أصدقاء سوريا”...لكن خروج الاجتماعات بتوافق دولي حول “خريطة طرق” للخروج بسوريا من أزمتها، لا يعني أن حرب سوريا الأهلية، أو حروب الآخرين عليها، ستضع أوزارها وتعود مدافع المتحاربين لصمتها ومعسكراتها من جديد.
وعلى أهمية التوافق الدولي حول خطة الخروج من الأزمة السورية، إلا أن الشق الأهم من الحكاية إنما يتمثل برغبة الأطراف المجتمعة في جنيف اليوم، وقدرتها بعد توافر الرغبة والإرادة، على “فرض” الحل الدولي التوافقي بمختلف عناصره ومكوناته على فرقاء الصراع الدامي في سوريا من جهة، وعلى القوى الداعمة لها بالمال والسلاح والإعلام والدبلوماسية من جهة أخرى.
المؤشرات الأولى لا تبدو مثيرة للتفاؤل...فأطراف الصراع الرئيسة أبدت تحفظات جوهرية على مبادرة عنان واجتماعات جنيف...والدول الداعمة لها، خصوصاً تلك التي لم تتسلم رقاع الدعوة لاجتماعات جنيف، لن تلقي السلاح جانباُ، بل وقد يكون استثناؤها من قائمة المدعوين، سبباً إضافياً للحنق والغضب والتصعيد، فتعمد على رفع حدة التوتر وتزخيم المواجهة العسكرية بمزيد من المال والسلاح.
إن شرط نجاح مؤتمر جنيف، يتجلي بوعي المجموعة الدولية العميق لأهمية فرض وقف القتال على طرفيه، نظاماً ومعارضة...وفرض تجفيف منابع السلاح وقنوات تهريب المجاهدين، على بعض العواصم الإقليمية والعربية، سواء تلك التي تقف داعمة للنظام أو للمعارضة المسلحة سواء بسواء.
القصة باتت مكشوفة ومعروفة...بعض النظام “اللاديمقراطية” أو بالأحرى المناهضة إيديولوجياً وتكوينياً للحرية والديمقراطية، ستظل ماضية بحرب تصفية الحسابات مع “معسكر طهران”...القصة لا يعوزها كثير من البراهين، ولقد رأينا بعض الناطقين شبه الرسميين بأسماء هذه الدول، يعبرون عن “صدمتهم” من اجتماعات موسكو...ولا يخفون خيبة أملهم في عنان ومبادرته الأولى و”مجموعة اتصاله”...في المقابل، تقف إيران المسكونة بهاجس مكانتها ودورها الإقليميين على أهبة الاستعداد للإطاحة بأي حل للأزمة السورية لا يلحظ مصالحها ويحترم دورها...هؤلاء جميعاً، يجب أن توضع لأطماعهم واجنداتهم حدوداً قاطعة إن أريد لسوريا أن تخرج من أزمتها مكتفيةً بما دفعته من خسائر باهظة حتى الآن.(الدستور)