مجلس أبي عبدالله الطيراوي .

من ملتقى شارع البارحة بالهاشمي، يكون الانعطاف شمالا بداية شارع حكما مع محلات تجارية لبيع العصير وأحذية البلاستيك والملابس المعتمدة أكثر بالقرى، وتبغ الهيشة، وأول منعطف فيه يسارا يقود إلى التربية ودكان علي الطعاني الذي لا يبع فيه شيئا، وساحات بيع الفخار وسوق الكندرجية، أما يمينا فإلى سوق البخارية وعيادة الدكتور طراد القاضي ومحال مكتظة البضائع من شتى الأصناف، ثم مدرسة العروبة مقابلها محل أحذية أبو عادل وسوق البالة، وقبل هذه دكان أبي عبدالله الطيراوي الحلاق، محتلا زاوية السوق، موقع استراتيجي بالصدفة، واغلب التجار ممن قذفتهم النكبة خارج فلسطين، والأمر يفسره قرب الشارع من مخيم اربد.
مدينة القرن الماضي ليس نفسها الآن، ومعالمها التي على حالها حتى الآن تدلل على تراث ليس فيه عبق الماضي ولا عصرية وتقدم الحاضر، وشارع حكما ليس المثال الوحيد على الأمر.
ينتهي الشارع عند مثلث بلدة حكما، وعلى طول امتداده مخازن للتجارة المنوعة، التي منها الحبوب والصوف وأدوات الفلاحين من مناجل وأعواد حراثة وشواكيش ومناكيش وشواعيب ودلاء وقفف وسروج وبذار، ويوصل الشارع إلى سوق الحلال قبل أن يعبر بلدة بيت رأس، ومنها نحو قرى الشمال المنتهية بالمخيبة الفوقا.
وسكان هذه القرى هم اغلب رواد شارع حكما للتسوق والمتاجرة والتداوي عند طراد والتزين عند ابي عبدالله، وللأخير قصة، إذ إنه الحلاق الوحيد في المكان بصالون حديث من حيث الديكور والأدوات والخبرة التي استقدمها معه من حيفا، المهمة أكثر من بيروت قبل النكبة التي استقر بعدها في اربد. كان له من الأبناء ثلاثة ومن البنات أكثر تزوجن جميعا، اسمه رشيد بدران، زوجته أخذت لقب الطيراوية حيث سكن، سمينة بيضاء بوجه يخبر عن جمال مضى، عبدالله غادر إلى بيروت وما عاد، محمود مصور عاش ومات وحيدا بعد أن غادر الصغير حسن إلى بيروت وغاب فيها أيضا.
ظل ابو عبدالله في دكانه ميسورا إلى أن قرر بيعه وفعل، اشترى منزلا لم يجلب له استقرارا، ثم استأجر دكانا جديدة بعيدة عن السوق، وشارع حكما لم يؤمه سكان القرى الشمالية وكل الزبائن أبدا. تحول إلى فقير ووحيد، وغادر الدنيا مقهورا مع الطيراوية تباعا. أدرك متأخرا خسارته بالوطن مرتين وعدم جدوى الندم، والمسالة برمتها حسابات خاطئة وحسن نوايا، وتخطيط فاشل للمستقبل، فكان ما كان وانتهى.
آخر شعارات الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح ظهر أمس الأربعاء بعبارة "وطن للبيع، المراجعة مجلس النواب"، ويبدو أن الرئيس والأعضاء فيه كلهم أبو عبدالله الطيراوي، وإلا فلماذا المراجعة هناك؟ ( السبيل )