المشهد المصري وتحديات المرحلة

المدينة نيوز - دخلت مصر مرحلة جديدة، وأصبح لها رئيس منتخب بتنافس حر، وبنسبة لم تصل الى 52%، صيغة لم تعتادها مصر، ان لم نقل الوطن العربي، قد تؤسس الانتخابات المصرية لمرحلة جديدة لاكبر دولة عربية، لم تكن مصر الدولة الاولى التي يرأسها شخصية اسلامية في الوطن العربي، فقد افرز الربيع العربي قيادات اسلامية في عدد من الدول العربية، مع ذلك تبقى مصر لها ما يميزها .
نحن الان امام تجربة جديدة، سمتها الرئيسية الانتقال الى الديمقراطية، صناديق الاقتراع حسمت الصراعات والخلافات السياسية، ويفترض ان الديكتاتورية أصبحت خلفنا. وبعد تبوؤ رئيس منتخب يبدأ المشوار، وتبرز تناقضات وصراعات من نوع جديد، صراع مع العسكر الذين يحاولون الاحتفاظ بجزء من السلطة، وإضعاف سلطة الرئيس قبل استلام مهامه. صراع مع النظام السابق المنتشر كالاخطبوط في مؤسات الدولة وخاصة الامنية . صراعات مع قوى الثورة المتعددة المشارب، والتي حرمت احمد شفيق من كرسي الرئاسة، صراعات تتمحور حول صياغة الدستور، الذي يفترض ان يحدد شكل الدولة، ونظامها السياسي، ودور السلطات الثلاث، وتوزيع صلاحيات السلطات التنفيذية بين مؤسسة الرئاسة ومجلس الوزراء.
وإذا التفتنا إلى المسألة الجوهرية التي تواجه المجتمع المصري، من قضايا الفقر والبطالة، ومصادرة الحريات العامة والتهميش، وإعادة الاعتبار لكرامة الإنسان، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهي أهداف الثورة المصرية، هذه الاهداف لم تأت بالخطب والشعارات، بل باقامة نموذج جديد من الدولة المدنية الديمقراطية التنموية الاجتماعية، المرتكزة على العقد الاجتماعي المبني على الحقوق والواجبات، على الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، واستقلالية القضاء ونزاهته، وتجفيف منابع الفساد ومعاقبة الفاسدين، وصون حقوق المواطنين جميعا بغض النظر عن الدين والعرق والجنس والمعتقد، وضمان حرية الرأي والتعبير.
الدولة الضامنة لحقوق المرأة المدنية والسياسية، حقها في التعليم والعمل من دون تمييز، ليس فقط من منطلقات انسانية فحسب، بل ولحاجة موضوعية لدولة تنموية اقتصادية اجتماعية، ومن اجل استغلال الطاقات المهدورة، وهي احدى معايير الدولة العصرية المتقدمة. دولة الرعاية الصحية والاجتماعية، التي توفر خدماتها لطبقات المجتمع كافة، وترفع مستوى هذه الخدمات لتليق بالإنسان، لكي تصبح الدولة أكثر استجابة لحقوق المواطنين، دولة الرفاه الاجتماعي، التي ترسخ مبادىء القيم الوطنية والاجتماعية والإنسانية، وتحشد الطاقات الشعبية لبناء دولة عصرية جديدة. دولة منتجة تستثمر طاقات وامكانيات الشعب المصري، وتعيد لمصر مكانتها الاقليمية والدولية .
تقيم اقتصادا لدولة واعدة باحتلال موقع يتناسب مع امكانيات مصر وطاقاتها، بالاعتماد على الذات اولا وبالتعاون مع اقتصادات الدول النامية وخاصة مجموعة "بركس" والاستفادة من تجاربها، وبالشراكة مع القطاع الخاص المنتج، وليس مع رجال أعمال يستغلون نفوذهم السياسي في الدولة، لتسخيير ممتلكات الدولة لتحقيق الثراء الفاحش والربح السريع، والتهرب من التزاماتهم الضريبية تجاة الدولة والمجتمع.
دولة تستثمر علاقاتها الخارجية للقضايا الوطنية، مستفيدة من التناقضات الدولية، واستثمار التجاذبات الإقليمية التي تشكل تركيا وإيران محاورها الرئيسية لصالح القضايا العربية، ولمواجهة الضغوطات الامريكية وخاصة لدى الاقتراب من القضية الفلسطينية، والتي تعتبر أهم محاور الصراع في المنطقة، رغم اتفاقية كامب ديفد التي وقعها انور السادات، وحظيت برعاية حسني مبارك الذي فرض حصارا على قطاع غزة باغلاق معبر رفح استجابة للشروط الامريكية .
تركة ثقيلة خلفها النظام البائد، فهل يعقل ان تواصل القيادة المصرية الجديدة حصارها للقطاع رغم الروابط الفكرية والقومية المشتركة..؟ ليست الروابط وحدها التي تفرض فك الحصار. ومساعدة الشعب الفلسطيني في تحقيق الاستقلال ودحر الاحتلال، فالالتزام الأخلاقي والقانوني يفرضان على مصر موقفا مختلفا. فقد سقط القطاع عام 67 بايدي الصهاينة وهو تحت الادارة المصرية. الامر الذي يفرض على مصر ان لا تدخل بمعاهدات مع العدو الصهيوني قبل استعادة القطاع، الذي كان في عهدة المصريين، ان لم نقل استعادة الاراضي العربية المحتلة عام 67 كافة وخاصة الضفة الغربية وفي مقدمتها القدس الشريف " اولى القبلتين وثالث الحرمين" .
لا شك ان احلام وطموحات الشعب المصري اكبر واعمق من ان تختزل بمقالة، لكنها محاولة للتعبير عن بعض طموحات الامة، ليس بالضرورة ان تكون جلها على اجندة الحكومة المنتظر تشكيلها، لكن ارادة الشعب المصري سوف تحقق الطموحات كافة، والخطوة الاولى في هذه السياق الالتزام بترسيخ مبدأ التعددية السياسية، والتداول السلمي للسلطة، وتغليب التناقض الرئيسي على التناقضات الثانوية.(العرب اليوم)