اعلان الملك المكمِّل

مخطئ من يعتقد أن الدولة "ضعيفة" وأن المناكفة تفرض الحوار رسائل كبيرة وكثيرة أرسلها جلالة الملك عبد الله الثاني في جميع الاتجاهات من خلال شاشة التلفزيون الأردني أولها إلى جماعة الإخوان المسلمين في إطار التطمين بأن الانتخابات المقبلة ستكون حرة ونزيهة وأن إقرار قانون الانتخاب ليس هو نهاية الإصلاح بل هو جزء من العملية.
للأسف فإن موازين القوى ومواقفها المتباينة داخل جماعة الإخوان المسلمين خلقت واقعا أدى إلى دفع مباشر باتجاه مقاطعة الانتخابات المقبلة، فالقانون لم يكن دائما هو سبب مقاطعة "الإخوان" للصناديق والتي كان آخرها 2010، وحتى "الصوت الواحد" فإن الحركة الإسلامية رفضته وقاطعته لكنها أيضا شاركت على أساسه.
وهنا العنصر المهم الجديد وهو جدية الإرادة السياسية في إجراء الانتخابات النيابية بأعلى درجات النزاهة التي تكفلها هيئة مستقلة للانتخابات، هنا يأتي كلام جلالة الملك ليؤكد أن "لا رجعة عن الإصلاح، الذي جوهره الوصول إلى حكومات برلمانية تعتمد على الأحزاب".
وهنا وجهت الدعوة مباشرة من جلالته إلى كافة أطياف المجتمع بما فيها الحركة الإسلامية للمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة كعملية انتقالية يمكن أن تقود إلى تغيير موازين القوى السياسية بعيدا عن التمترس حول المطالب المستحيلة.
ما يجري بين "الإخوان" والدولة يدل على أن اشتداد خطوط التماس أيام الجمع وارتفاع سقف الشعارات أو التحالفات السياسية مع القوى الحزبية أو السياسية أو العشائرية، يمكن أن يتم تجاوزه من خلال حوارات أو تفاهمات جانبية.
وقد قلنا مرارا إن على الدولة أن تمتص الغضب من الشارع وأن تتوصل إلى عقد صفقات مع الحراك الشعبي والحزبي في الشارع ، وهذا الحراك ينقسم إلى قسمين : الأول تقوده جماعة الإخوان المسلمين وبسقف مطلبي يركز على صلاحيات الملك في الدستور والاقتراب أكثر من الحكم وليس طلب المشاركة فقط، والحراك الثاني هو الحزبي والشعبي بأنواعه، وهو أقرب إلى المطالب المعيشية والإصلاح وتوسيع المشاركة الشعبية في صنع القرار، وهنا ليس أمام الدولة إلا الاستجابة إلى مطالب "الحراكين" وهذا صعب ، والأسهل هو التوافق أو عقد صفقة مع جهة من أجل تفكيك الجهة الأخرى.
المواطن لا يملك ترف الانتظار بل يريد حلولا جذرية، هكذا يقول جلالة الملك ، وهنا تأتي أهمية المشاركة في الإصلاح والانتخابات من قبل "الإخوان" الذين هم مكون أساسي في العملية السياسية من دون أن يعطوا حق تعطيل المسيرة إذا لم تتم الاستجابة لمطالبهم.
لا نريد أن يقع "الإخوان" في سوء التقدير للحالة الداخلية والإقليمية، ويعتقدوا ،أنهم يستطيعون أن يفرضوا أجنداتهم على الدولة أوعلى المجتمع الأردني، وهم مخطئون إن هم اعتقدوا أن الدولة "ضعيفة"، وللأسف هم ذهبوا منذ أشهر إلى اتجاه "مناكفة " الدولة في الشارع ببيان أو بمسيرة هنا أو شعار أو هتاف أو ظهور على وسائل الإعلام الخارجية هناك أو الإمساك بمفاتيح عشائرية أو غيرها من أجل "رفع حرارة" الطرف الآخر.
لا مصلحة للجميع إلا بالمشاركة في عملية التغيير الجارية ، فما تم إنجازه كبير، ولكن ينتظرنا الكثير من العمل ،وهنا يأتي دور جميع الأحزاب ومؤسسات المجتمع والأطياف والفئات الاجتماعية من أجل بلورة برنامج وطني توافقي يحدد أهداف عملية الإصلاح ويضع لها مواعيد ونهايات سعيدة. ( العرب اليوم )