الانتخابات الليبية.. ماذا قبل؟

سيذهب كثيرون – وفي مقدمتهم الاميركيون وكل مَن قادوا عملية فجر الاوديسة – بعيداً في الاطراء على انتخابات المؤتمر الوطني العام (البرلمان) التي ستتم اليوم بعد تأجيل دام شهراً، وسيتم وصفها – بل هي وصفت سلفاً – بانها اول انتخابات ديمقراطية (..) بعد الثورة وخصوصاً منذ اكثر من اربعة عقود، لم يعرف الليبيون خلالها ممارسة كهذه، بعد ان كفّرها القذافي وأحالها الى «مسخ» عبر ما وصف باللجان الثورية والمؤتمرات الشعبية وغيرها من الاوصاف التافهة التي افضت في النهاية، الى «تصحّر» كامل في الحياة السياسية الليبية والى تحويل الشعب الليبي الى مجرد كمّ من البشر لا دور له ولا حقوق بل ان الزعيم (ولاحقاً انجاله الغُرّ الميامين) هو الذي يُفكّر ويُقرّر، يُعاقب ويثيب. تارة يقدّم النظرية الثالثة ثم لا يلبث أن يُهدي البشرية «الكتاب الاخضر» كي تجد طريقها الى الخلاص من اوضاع بائسة فرضها عليها الرأسماليون والشيوعيون في آن!!
المهم
يُفترض ان ليبيا الجديدة ستعرف «إخضراراً» سياسياً وليس استمراراً للتصحر الذي كانت عليه قبل اطاحة نظام القذافي.. والذهاب الى انتخابات ديمقراطية لا يعني ان الشعب الليبي سيكون هو الحَكّم والمُقرِر في اسماء «ونوعية» الذين سينتدبهم الى الندوة البرلمانية، فالفوضى ما تزال تُهيمن على المشهد الليبي وزعماء الميليشيات هم الذين يَتحكّمون بـ»الناس» وهم الذين (بأسلحتهم) منعوا قيام الدولة ولا يزال بمقدورهم واعوانهم وخصوصاً قبائلهم وعشائرهم، اعطاء اشارة الانطلاق لتأسيس دولة قانون وعدالة اجتماعية ومساواة، أو أخذ ليبيا الى مربعات التفكيك والتقسيم او الفدرلة وغيرها من الصيّغ التي ما تزال مطروحة على الطاولة رغم الانتخابات، بل ربما بسببها ايضاً، لان هناك معارضة لا يُستهان بها لقانون الانتخاب، بعضها محمول على اسباب جهوية ومناطقية، حيث دعاة الفدرلة يعيبون على القانون انه راعى الديمغرافية (أي عدد السكان) في توزيع المقاعد الانتخابية، ما اثار حفيظة المناطق ذات الكثافة السكانية الضعيفة او المتواضعة عددياً وخصوصاً في الشرق والجنوب، كذلك ثمة هناك مَنْ عارضه لاسباب «حزبية» حيث لم يمنح القانون للاحزاب كافة سوى 40% من مقاعد المؤتمر الوطني العام (أي 80 مقعداً من اصل 200).
إذا لم تحدث مفاجأة في اللحظة الاخيرة فإن الليبيين سيتوجهون اليوم الى صناديق الاقتراع في اجواء لا توحي بالثقة ومناخات صراع مكشوف بين زعماء الميليشيات والعشائر، واصابع كل منهم على الزناد، كما يحدث الان في الجنوب بين قبائل «التبّو» والعرب، اضافة الى «الامارات» التي فتحها قادة الميليشيات كل على حسابه، بعد ان تبخّرت الشعارات التي كانوا يرفعونها في مواجهة القذافي ويعيبون عليه انه ديكتاتور وغير ديمقراطي ولا يؤمن بمشاركة الجمهور في صناعة القرار.
معرفة النتائج ليس ذات اولوية، على اهميتها، لأنها ستعكس موازين القوى وستكشف عن مدى النفوذ والشعبية التي يتوفر عليها الاسلاميون (حزب العدالة والبناء الذي شكّله الاخوان المسلمون)، كذلك الحزب الذي يقوده الاسلامي «القاعدي» عبدالكريم بلحاج (حزب الوطن)، اضافة بالطبع الى رئيس اول حكومة بعد سقوط القذافي، «الليبرالي» محمود جبريل الذي يقود تحالف «القوى الوطنية» ناهيك عمّا تعجّ به ليبيا من اسماء ومسميات واحزاب وتنظيمات وتجمعات يعجز جهاز الكمبيوتر عن تخزينها (هل تذكرون العراق؟).
مجلس مصطفى عبدالجليل الانتقالي سيختفي من المشهد بعد انتخاب المؤتمر الوطني العام، وحكومة عبدالرحمن الكيب ستسلم المفاتيح الى حكومة جديدة.. لكن هل ستعرف ليبيا الاستقرار وهل سيؤسس المُنتخَبون (بفتح الخاء) لليبيا جديدة حيث لا ميليشيات ولا إقطاعيات أو إمارات؟
الاجابة برسم الغيب، لكن الواقع يدحض امكانية كهذه، ويجب ان لا يغيب النموذج العراقي، الذي هو صناعة اميركية بامتياز، عن اذهاننا، لان المطلوب (غربياً) هو الخطوة الاولى على طريق الديمقراطية وهي الانتخابات، وبَعدها سيدخل الجميع في دوامة الفرقة والخلافات والتشرذم.
ليس بالانتخابات «وحدها» يدخل أي بلد نادي الدول... الديمقراطية.( الرأي )