قانون الانتخاب بين الرد والتعديل

ردة الفعل السياسية والشعبية ومؤسسات المجتمع المدني المستقلة على إقرار مجلس الأمة بجناحيه النواب والأعيان لقانون الانتخاب لعام 2012 اتّسمت بالرفض لمخرجات هذا القانون، وأكثره اعتدالاً بعدم الرضى على العديد من مضمون القانون، ممّا حدا بقوى سياسية ومجتمعية فاعلة بالطلب من الملك ردّ القانون.
هذا من جانب، ومن الجانب الآخر كانت المقاطعة السياسية والشعبية للانتخابات المزمع إجرائها قبل نهاية العام الحالي جليّة وواضحة، ممّا يعني تفريغ الهدف من وراء الدعوة لانتخابات مبكرة بعد حلّ مجلس النواب قبل انقضاء مدته الدستورية بحوالي السنتين، لتمكين الشعب من انتخاب ممثليه بحرية وللارتقاء بمستوى التمثيل الشعبي لكافة الشعب الأردني دون إقصاء أو تهميش، هذا إن كانت التصريحات التي سمعناها أو قرأناها لمسؤولين صادقة.
أمّا إذا كان هدف إجراء انتخابات مبكرة ليتم إعادة إنتاج المجلس الحالي وما سبقه بأسماء جديدة وتحت عناوين جديدة، بهدف كسب الوقت وإشغال قطاعات واسعة حزبية وشعبية بالانتخابات والانصراف عن المطالبة بالإصلاحات السياسية والاقتصادية وفقاً للمعايير الديمقراطية المتعارف عليها عالمياً، فهذا سيؤدي إلى مزيد من الاحتقان والغضب وبالتالي تصعيد الحراك.
إنّ رفض القوى السياسية لقانون الانتخابات، شكّل ضغط حقيقي على المطبخ السياسي والأمني، الذي كان أمامه خياران للتعامل مع القانون بعد إقراره من مجلس النواب والأعيان، دون الأخذ بعين الاعتبار المصلحة العليا للوطن بشموليته، كما لم يراع مطالب الجماهير بضرورة إصدار قانون انتخابات يرسّخ مبدأ المواطنة ويعزز دور الأحزاب السياسية، وذلك من خلال تمكين المواطنين من انتخابات قائمة على البرامج ووفق القوائم، سواء على مستوى الوطن كدائرة انتخابية أو على مستوى المحافظة كدائرة انتخابية «للعمل كان المحافظة هي الدائرة الانتخابية، والتي أجريت وفقاً لها الانتخابات التكميلية عام 1984».
ويتمثّل الخياران في:
أولا: إمّا أن يتم المصادقة على القانون كما ورد من مجلس الأمة.
الثاني: إمّا ردّ القانون بإعادته إلى مجلس الأمة.
الخيار الأول: لو تم اعتماد الخيار الأول لتم الحكم مقدماً على فشل الانتخابات القادمة بشقيها السياسي والشعبي، ولوجد نظام الحكم نفسه منذ اليوم الثاني لإعلان النتائج بمطالب سياسية وشعبية تدعو لحل مجلس النواب.
الخيار الثاني: كان من الممكن أن يؤدي إلى صدام مع مراكز القوى التي أعدت وطبخت وأنجزت القانون، ولكن في نفس الوقت كان من الممكن أن يؤدي إلى تخفيف الاحتقان وتعزيز الثقة بتوفر إرادة للإصلاح السياسي التي تؤدي إلى احترام المواطنة والتأسيس لتداول سلمي للسلطة التنفيذية.
إنّ الخيار التالي برأيي كان هو الأفضل لأنه يرسل رسالة واضحة وقوية للقوى المناهضة للإصلاح السياسي، بل والمعادية للإصلاح بأشكاله بأنّ جلالة الملك هو الذي يقف بالمرصاد أمام هذه القوى، وبرسالة مفادها أنّ الملك ينتصر للإصلاح وللشعب، ولكن المستشارين ضيّعوا هذه الفرصة الثمينة، بردّ القانون وفقاً لصلاحيته الدستورية التي ينص عليها الدستور في المادة 93 فقرة 3 «إذا لم ير الملك التصديق على القانون فله في غضون ستة أشهر من تاريخ رفعه إليه أن يرده إلى المجلس مشفوعاً ببيان أسباب عدم التصديق». إنّ هذه الصلاحية بتقديري إنّما منحت لجلالة الملك بهدف منع تغول سلطة من السلطات على الحقوق الأساسية للمواطن، كما أنّها تأتي في سياق اختلاف وجهات نظر الملك مع مخرجات أيّ قانون، وبالتالي إنّ ذلك لا يعني عدم احترام السلطة التشريعية. لذلك لجأ مطبخ القرار السياسي والأمني بالخيار الأول مع إجراء تعديل عليه وهو المصادقة على القانون والإيعاز بتعديله، ولمنع فتح نقاش مواد أساسية في القانون، حيث أنّ التعديلات هي فقط مثار البحث والتعديل، لذلك فإنني أرى أننا في الأردن مقبلون على مرحلة من الرفض وعدم الرضى وعدم المشاركة الواسعة من المواطنين، وخاصة في المحافظات الكبرى.
إنّ رفع عدد القائمة على مستوى الوطن إلى 27 خطوة تجميلية لا أكثر ولا أقل، هي رسالة إلى الخارج قبل الداخل.( السبيل )