المستريحي يكتب : أين الرجال ؟؟ وأي وطن نريد؟!
المدينة نيوز – خاص – كتب محمد المستريحي - : يستمر مسلسل "خلط الأوراق " على الساحة الأردنية، دون أدنى إعتبار لإعادة الحسابات وقراءة التطورات.. ووسط كل هذا الضجيج، تلجّ في الفكر أسئلة مصيرية لا بد لها من إجابة نظرية وعملية، شافية وواضحة.
- أين هم رجال الدولة الحقيقيون، المؤهلون لحكم وقيادة شعب، وصناعة قرارات دولة ووطن؟!.
-
إن رجال الدولة، الذين أعنيهم هم الرجال الذين يدركون وظيفة الدولة، وما تعنيه إدراكا كاملاً، ومن ثم يعملون على الحفاظ عليها، وعلى مصالحها، وعلى إعلاء شأنها.
يوم ما كان في الاردن رجال كل واحد منهم بألف رجل. أما اليوم.. فإننا والله لا نرى إلا عُصبة من اللصوص والفاسدين ومَن لف لفهم من المتزلفين والمطبلين الذين يبيعون ظمائرهم ومواقفهم بربع دينار لا بل بخمسة قروش.. انتهكوا كل شيء حتى "الدستور " جهاراً نهاراً، مراراً وتكراراً، عمداً وعدواناً، لتحقيق مآرب ومصالح خاصة لا علاقة لها بالمجتمع وهمومه، وأصبحوا ينظرون الى الأردنيين على أنهم سكان ورعايا لا أكثر.
وتحوّلت هذه العُصبة إلى فئة ممتازة عن غيرها، سخّرت الوطن وثرواته لمصالحها، وانفردت بالمكاسب دون أن تتحمل العبء، ومارست هندسة اجتماعية لصالحها دون غيرها، حيث التمييز في المعاملة، والتطبيق الصارم للمواطنة المتساوية أمام القانون، وإغفال مبدأ تكافؤ الفرص وخاصة فيما تقدمه الدولة من مشروعات وخدمات، والاستئثار بوظائف أجهزة الدولة وتوريثها وخصوصاً العليا منها، وإحتكارها لذريتهم ومحاسيبهم دون استحقاق من عِلم أو خبرة، ووصل بهم الحال الى تفصيل حكومات "كرتونية " شخوص الوزراء فيها ليسوا أكثر من موظفين، ولم تغفل هذه الفئة عن مجلس النواب فكان "الاختيار " يقع على أعضاء "صم بكم.. يبصمون ولا ينطقون ". ورافق كل ذلك فساد مالي غير مسبوق وشيوع للرشاوى والسرقات والعمولات وبيع كل مقدرات الوطن دون حسيب أو رقيب.
- أنهكنا هذا الواقع المرير. ولا يمكن لضميري إلا أن يجبرني على أن أقول لكم وبكل أسف "إنه ليس لدينا رجال دولة على الإطلاق، ومؤسساتها شبه معطّلة ".. وإذا بقي الحال على هذا المنوال فـلينتظِر الجميع الطوفان.. وهنا يكون السؤال المُلّح: إذا كان ما يُسمون أنفسهم رجال الحكم أو "رجال الدولة " لا يعرفون شيئاً عن أبجديّات صنع القرار في الدولة، وليسوا مستعدين للتضحية بأدنى مصلحة من مصالحهم الشخصية لحساب مصلحة من مصالح الدولة.. فماذا يبقى من الدولة، ومصالحها، وقراراتها، وهيبتها؟!.
-
نقول إزاء هذا الواقع المؤلم: إن القيادات الحاكمة للدولة ومؤسساتها فقدت وظيفتها، وأصبحت عبئاً على المجموع العام للمواطنين، لا بل عالة عليهم، وأصبحت مصدراً للأذى والضرر، والتآمر والفساد.
وهنا يكون المواطنون أمام خيارين: إما أن يكون لديهم القدر الكافي من الوعي والإرادة لإقصاء هذه الفئة من مراكزها، وحرمانها من امتيازاتها، وتولية فئة مختارة جديدة. أو الدولة والجميع الى التدهور.
- عذراً يا أردن.. كان شعارك ذات يوم "الإنسان أغلى ما نملك ".. أما اليوم فإننا لم نعد نملك إلا طرح السؤال الأهم: أي وطن نريد؟.. هل نريد دولة نعيش فيها.. أم وطناً يعيش فينا؟.
إننا حتماً نريد وطناً نعيش فيه سواسية دون تمييز.. عنوانه الأبرز نور وضوح وشفافية ونظام.. لا تختبئ في سراديبه عفافيش سوداء تتربص بأهله لمص مزيد من الدماء.. ولا يُخفي صفقات سفه الإنفاق.. وطناً لا وكراً للثعابين والمغالين في الرقص على سمفونية مزيفة من الولاء والانتماء وهم في الواقع حفارو قبور.
نريد وطناًً لا يتسلط فيه متنفذ أو قريب أو حتى "نسيب " على ثروةٍ ولا يتلصص سفيه على عورة.. وطناً شفرات أسواره الحادة تقطع أيادي التسلل تحت أستار الظلام.. لا نشكو فيه من ظلمٍ قاهر أو فاقةٍ مُذلَّةٍ ولا نقشعر فيه من زمهرير ليل أو تشتكي بطوننا من جوع بينما مخازن الخير عامرة.
نريد وطناً يُضاءُ بأنوارِ العدلِ الساطع ويعلونا سقف الحرية الرافع.. ننامُ فيه على طمأنينةٍ ونستيقظُ على عملٍ وتنمية.. تعيش في ربوعه شامخة قممُ أشجارنا وتنمو على شرفاته صافية إشراقة أزهارنا.. وطناً سيداً حراً منيعاً لا بلداً متسولاً.. لا عبيد فيه ولا جواري ولا رجال يغتنون من أرزاقنا.. لا سلطة مطلقة فيه لحاكم أو احتكار للقرار.. ولا قيد فيه على قلوبنا ولا قفل فيه على عقولنا ولا خوف في أقوالنا.
نريد وطناًً بلا إهتزازات ولا صفقات ولا مزيد من إدعاءات حَصادُها في النهاية آلام وويلات.. وطناً صلب الأساس.. متماسك البنيان.. غير آيلٍ إلى السقوط عند أول نفخة ريح.. يحرسه أبناءٌ أمناء أقوياء أعزاء لا غرباء.. يؤمه أبٌ عادل رؤومٌ يَعمُ خيرهُ كل الأبناء.. يرسم مجد الغد في عيون القادمين من أجيالنا.
- قبل الختام.. فإنه ذات الضمير يجبرني على أن النصيحة واجبة لمن يدعون أنهم "رجال دولة ": كونوا رجالاً وإلا فعليكم أن تتنحوا، أو في أحسن الأحوال دعوا المجال لنسائكم فهنّ والله لديهن ضمائر حية ومواقف شجاعة وقوة أكثر منكم.
- ختاما.. إننا نريد وطناً نعيش فيه ويعيش فينا.