اللبنانيون وحق أشقائهم الفلسطينيين في انتخاب ممثليهم

أعطى الرئيس اللبناني ميشيل سليمان ضوءاً أخضر مبدئياً للفلسطينيين لاجراء انتخابات لاختيار ممثليهم في المجلس الوطني الفلسطيني، الموافقة الرسمية اللبنانية بالطبع، بحاجة لمراجعات وتدقيقات في التفاصيل الاجرائية واللوجستية والأمنية المصاحبة للانتخابات والسابقة عليها...هذا ما عرفناه في ورشة عمل نظمها “مركز القدس للدراسات السياسية – بيروت” قبل أيام.
في الورشة المذكورة أبدى الوزير علاء الدين ترّو من الحزب التقدمي الاشتراكي وممثل الحزب فيها سرحان سرحان، حماساً شديداً للاستحقاق الانتخابي، وشددا على الحاجة لاتمام المصالحة أولاً، وفقاً لمتتالية تتدرج من “المصالحة الى التوافق فالوفاق وصولاً للانتخابات”، وهي مقاربة عاقلة ومقبولة في مختلف الأحوال...الحاج محمود قماطي نائب رئيس المجلس السياسي لحزب الله كان قاطعاً في تشديده على أن اجراء الانتخابات للمجلس الوطني فيه مصلحة للبنان وليس للفلسطينيين فقط...الشيء ذاته قاله الدكتور أحمد جمعة عضو المكتب السياسي لحركة أمل الذي تعهد بوضع خبرات الحركة وتجربة ماكينتها الانتخابية تحت تصرف الفلسطينيين...حزب الكتائب اللبنانية ممثلا بقياديه المخضرم وعضو مكتبه السياسي جوزيف أبو خليل أيّد اجراء الانتخابات وتساءل عن جاهزية الفلسطينيين في مخيماتهم لاتمام الاستحقاق، منسق العلاقات السياسية في “تيار المستقبل” خليل شقير ذهب بعيداً في التعبير عن استعداد هذا التيار لتمكين الفلسطينيين من ممارسة هذا الحق، ممثل التيار العوني رمزي دسوم بدا مؤيداً لكل ما يمكن أن يعيد للقضية الفلسطينية بريقها المفقود، فيما أبدت السيدة لينا حمدان من لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني التابعة لرئيس الحكومة استعداداً للتعاون في كل ما يصب في مصلحة اتمام الانتخابات...وحده حزب القوات اللبنانية ممثلا بمساعد أمينه العام فادي ظريفة بدا متحفظاً ومتشككاً بل وأقرب للرفض منه للقبول، معيداً الى الأذهان مواقف حزبه من مسألة سلاح المخيمات والتوطين، وفي ظني أن موقف “القوات” من الانتخابات ليس نهائياً، وأنه جاء للتذكير بمواقف الحزب من مسألة الوجود الفلسطيني في لبنان، لا أكثر.
في الحديث عن العوائق التي تجابه الاستحقاق الانتخابي، لم يرد على ألسنة المتحدثين، فلسطينيين كانوا أم لبنانيين، أية اشارات الى ذلك النوع من العوائق المستعصية، الجميع تحدث عن الحاجة للمصالحة أولاً، والشروع في اجراء الترتيبات اللوجستية من نوع: احصاء الفلسطينيين في لبنان في ظل التفاوت في تقدير أعدادهم واختلاف الأرقام باختلاف المصادر...تجهيز كشوف الناخبين (لوائح الشطب كما تسمى في لبنان)، تشكيل مفوضية مستقلة فرعية في لبنان...حملات التوعية بالاستحقاق الذي سيمارس لأول مرة في تاريخ الشتات الفلسطيني في لبنان...تمثيل النساء وتمكين الشباب، فضلا عن العديد من القضايا اللوجستية من نوع: أين ينتخب الفلسطينيون؟.
لم تغب التطورات الأمنية المقلقة الأخيرة عن أذهان المتحدثين، لبنانيين وفلسطينيين، لكنهم جميعاً أكدوا أن لبنان لطالما أجرى انتخابات في مناخات أمنية غير مواتية على الاطلاق...الأمر يمكن أن يجري احتواؤه وتنظيمه ان توفرت النية والارادة الفلسطينية أولاً، وان أبدى الجانب الرسمي اللبناني موافقته النهائية ثانياً (وهي شبه مؤكدة)، خصوصاً في ظل سوابق سمح فيها لبنان الرسمي للعراقيين والمصريين مؤخراً باجراء الانتخاب.
كنّا سمعنا من قبل، ومن مصادر فلسطينية، أن ثمة عوائق وحساسيات، أمنية وسياسية، قد تحول دون تمكين اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من ممارسة حقهم الانتخابي واختيار ممثليهم للمجلس الوطني الفلسطيني...هدف الورشة كان الوقوف عند تلك العوائق والحساسيات و”توزين” مدى جديتها.
الخلاصة أننا لم نجد ما يبرر تفكيراً من هذا النوع...الفلسطينيون في لبنان توّاقون لممارسة حقهم في اختيار ممثليهم دون هيمنة أو وصاية، والدولة المضيفة ان على المستوى الرسمي أو على مستوى الفاعلين الرئيسيين، ليس لديها موانع أو حساسيات من أمر كهذا، بل بالعكس، فقد بدا أن الغالبية الساحقة من اللبنانيين تفضل أمراً كهذا، وترى فيه تبديداً لفزاعة التوطين والتجنيس وهذا من باب أضعف الايمان.
أما الذين يؤيدون منهم بحماس القضية الفلسطينية فقد رأوا أن اجراء الانتخابات سيضفي مزيداً من الشرعية على التمثيل الفلسطيني، ويعزز مسارات الوحدة والمصالحة الوطنيتين، ولهذا فهي تستحق كل الدعم والتشجيع.
يبقى أن القيادة الفلسطينية التي اتخذت قراراً باجراء الانتخابات حيثما أمكن، لم تقم حتى اللحظة باتخاذ أية خطوات ملموسة على هذا الطريق، فلا احصاء للفلسطينيين ولا اعداد لكشوف الناخبين، ولا مبادرة لتشكيل مفوضية مستقلة، ناهيك عن غياب أية حملات تعبئة وتحشيد للرأي العام.
اجراء الانتخابات عملية طويلة، تتوج بيوم الاقتراع...مثل هذه العملية تستغرق في الدولة المستقرة أشهراً عديدة، فما بالكم في الحالة الفلسطينية...الأمر الذي يوجب التحرك فوراً ومن دون شروط وارتهانات مسبقة، لاعداد الأرضية اللوجستية للانتخابات، هذا اذا كانت هناك رغبة حقيقية وارادة سياسية جادة في اجراء الاستحقاق. ( الدستور )