صناعة التوتر.. مدينة الرمثا كمثال

لم يكن اقتحام جامعة العلوم والتكنولوجيا الخيار الأول ولا حتى العاشر عند عدد من أهالي مدينة الرمثا وما حولها، وذلك سواء فيما يتعلق بقضية أراضي الجامعة التي تم استملاكها لأغراض عامة وفوجئ أصحابها الأصليون بتمليكها لأفراد، أو فيما يتعلق بقضية المفاعل النووي التعليمي الذي يقام هناك من دون أن يحصل على الترخيص "الرسمي" ويحيطه الغموض ولا تعلن أية جهة موقفها من المخاطر المحتملة التي يتحدث بها الخبراء والمختصون قبل السكان.
في الحالتين سلك الناس على مدار سنة كاملة سلوكاً في منتهى الهدوء، وكانوا يطالبون بإجابات مقنعة واضحة، وطرقوا كل الأبواب الرسمية، وقد توفر زمن معقول كان يمكن فيه للجهات الرسمية أن تتصرف، أو على الأقل أن تتعامل باحترام مع الناس وتعطيهم إجابة موحدة، لا كما حصل بالفعل حيث ووجهوا بإجابات متناقضة مستهترة، وحتى عندما أحيلت قضية الأراضي الى وزارة العدل، فإن الناس لم يفهموا ما يجري، وهناك كلام كثير عن أسماء كبيرة وجهات مستفيدة من شراء الأراضي تمنع السير بالقضية وفق القانون.
أما بالنسبة للقضية الأكثر سخونة حالياً نظراً لأنها تشمل جميع السكان في المنطقة، اي قضية المفاعل النووي، فإن سلوك المواطنين كان هنا أيضاً في غاية التحضر، فالأصل أن بناء المفاعل يقابل بالترحيب، وهذا ما حصل فعلاً عندما كان المشروع فكرة، ولكن مجريات العمل والغموض المرافق وخاصة من قبل مدير المشروع الدكتور خالد طوقان الذي يرى الناس أنه يتصرف بفوقية متجاوزاً المسار الطبيعي لمثل هذا المشروع، ثم قيامه بشتم معارضيه بعبارات قاسية ومن دون أدنى محاسبة، كل ذلك دفع الناس لرفع وتيرة تحركهم، ولكنهم واصلوا التصرف بمنتهى المسؤولية، واستأنسوا برأي الخبراء والمختصين، بل وخاطبوا الشركة المنفذة الكورية وتواصلوا مع سفارة كوريا، وغير ذلك من خطوات هادئة.
لم يكن سراً أن الناس في الرمثا والمدن والبلدات القريبة كانوا في الفترة الأخيرة بصدد التصعيد، وقد أعلنوا ذلك بوضوح، ولكن أحداً لم يكلف نفسه عناء الانتباه، ولم يكن المطلوب الاستجابة بالمطلق للمطالب بلا نقاش، فقد ظل الناس يبحثون عمن يعطيهم إجابة تحترم عقولهم.
الخميس الماضي حصلت بداية التصعيد بالفعل، ولكن سوف تخطئ الحكومة مرة أخرى إذا استنتجت أن التراخي الأمني أو "ضبط النفس" هو السبب، وذلك كما أوحت في اجتماعها الأخير. إن للقصة جذراً واضحاً يحتاج لإجابات واضحة، والأمر بسيط يمكن فهمة من خلال وضع مصلحة الأفراد المستفيدين من تملك الأراضي ومن مشروع المفاعل في كفة، ومصالح مئات ألوف الناس في الكفة الأخرى، وإجراء الموازنة اللازمة.. والله من وراء القصد .( العرب اليوم )