قراءة أولى في " الشجرات المقدسة "
تم نشره الإثنين 16 تمّوز / يوليو 2012 10:56 صباحاً
المدينة نيوز - صدر للشاعر جميل أبو صبيح ديوانه المعنون " بأشجار النار " في عام 2000 ، وقد تضمن الديوان اثنتي عشرة قصيدة ، اعتمدت في معظمها على السردية الحكائية ، ويرجع هذا للمقاربات الشعرية والقصصية معاً ، التي طرأت على الأشكال الأدبية ، وعنى بها رانسون في البناء الأنطولوجي للقصيدة عندما رأى أن نسيج القصيدة يتألف من الشكل والمعنى وأن الفن الأول يستخدم اللغة في عملية التشكيل ، وتابع رانسون وليم جي هاندي Wilim . j . handy في الربط بين البناء الأنطولوجي لكل من الشعر والقصة ، فيرى أن الوحدة التقدمية التي تميز القصة أكثر من أي شيء آخر من الشعر هي صياغة التجربة في سلسلة من المشاهد أو الحكايات ، وأن هذه الوحدة التقدمية في القصة يمكن أن ينظر إليها على أنها موازية للصورة في الشعر .. من وجهة النظر الأنطولوجية ، على أن وجهة النظر هي الأساس العام للبناء في كل من القصة والشعر .
أي أن الصورة الشعرية من وجهة نظر هاندي توازي المشهد القصصي ، من هذا المنطلق نقف عند قصيدة " الشجرات المقدسة " من ديوان " "أشجار النار " على سبيل التمثيل لا الحصر .
وتبدأ القصيدة بوصف شجرات التين العتيقة الموغلة في القدم والتي تذكِّر بتراث الجدود الكنعانيين ويربط بين الشجرة والإنسان من حيث أنها تفرد أغصانها في جسد الفضاء الفسيح فتُذَكِّره بأذرعة الجدود الكنعانيين وهم يلوحون بأذرعتهم الضخمة وهذا الربط بين صورة الشجرة والإنسان نجده في الميتولوجيا القديمة وتشير إليه العديد من الدراسات الميثولوجية لا سيما الغصن الذهبي لجيمس فريزر .
أن هذه الأشجار أشبه بالأشجار المقدسة في التراث القديم فهي تحمي القرية من اللصوص والوحوش البرية ويستريح في ظلها الإنسان والحيوان والطير وهي تحف بأجنحتها كل المخلوقات فتأوي إليها الأغنام الشاردة والكلاب الضالة وتحطّ عليها الطيور ويأكل منها المارون والعصافير والثعالب وتنحني عليهم جميعا تقبلهم واحدًا واحدًا .
تواجه الشجرة الغرباء القادمين من كل صوب وحدب يجرون بيوتا خشبية ومستوطنات متنقلة ويحملون في أياديهم المدافع الرشاشة والمناشير ويقومون بتقطيع الأشجار الصغيرة ، ووضعوا سياجا حول شجرات التين واندفع المصورون والمرتزقة والصحف والإعلاميون ليصرخوا بأن هذه الأشجار أشجارهم ، يقول :
وَانْدَلَقَتْ قُطْعانٌ مِنْ آلاتِ التَّصْويرِ وَمُرْتَزَقَةِ الصُّحُفْ
وَغَرَقَ الْجَميعُ بِبِحارٍ مِنَ الْخِسَّةْ
ثُمَّ صَرَخوا بِأعْلى ما في رُؤُوسِهِمْ
هذِهِ الشَّجَراتُ لَنا
أَحْضَرْناها مَعَ بُيوتِنا الْخَشَبِيَّة
نَحْنُ شَعْبُ الله … " ص 32
ومثلما نجد في الميثولوجية القديمة مدى اقتران الشجرة بالميلاد فإن شجرات التين تلد شجيرات صغيرة تحمل في يدها حجارة و سكاكين ورايات وتصرخ قائلة :
" نَحْنُ الْبِذْرَةُ وَالأرْضْ
نَحْنُ الشَّعْبُ النَّابِتُ في عُمْقِ التُّرْبَةْ
زَرَعَ الأجْدادُ لَنا الأشْجارْ
فَسَقَيْناها التَّعَبَ وَسَيْلَ الدَّمْ
نَحْنُ الْفِكْرَةُ
نَحْنُ الْعَظْمْ ." ص 33
وهنا يتضح كيف أن الأشجار يخرج من رحمها أطفال رمز المستقبل القادم يحملون الحجارة ويدافعون عن أوطانهم غير أن استخدام الشاعر لتعبير " نحن الفكرة " يدل على تناقض الرؤية الفكرية ، لأن الأطفال هم المادة والبذرة والتربة وليسوا الفكرة ، بل إن المغتصبين للأرض هم الفكرة لأنهم جاءوا بأفكار نظرية وحاولوا أن يطبقوها في أرض لا يملكونها بينما الأطفال لا يدافعون عن فكرة ولكن عن واقع يعيشونه بالفعل . وهنا يتضح التناقض في الرؤية والأداة في هذا النص .
وصور الشجرة على هذا الواقع الجديد عندما تتلو آيات مضيئة تنطلق في الفضاء أقوى من الرعد ، ويستمر الصراع بين الغرباء والأطفال الشرعيين المولودين من رحم الأشجار وتصرخ الشجرة في كل الحشود وتحثهم على المقاومة والدفاع بينما المصورون ما يزالون يصورون الأطفال الذين يتساقطون واحدا تلو الأخر ويحلم الأطفال بتفجير رؤوس الغرباء وطردهم من ديارهم يقول :
أيْدينا الْعارِيَةُ رِياحٌ عاصِفَةٌ
تَنْزَعُكُمْ كَالإبَرِ مِنَ اللحْمْ
وَسَتَرْتَحِلونْ
عَنْ دُنْيانا تَرْتَحِلونْ
بِقَوارِبَ مِنْ أجْسادِكُمُ الرَّثَّةْ
وَسَيَرْحَلُ مَعَكُمْ مَوْتاكُمْ
وَسَتَرْحَلُ حَتّى ذِكْراكُمْ
وَسَنَنْساكُمْ
وَسَنَنْساكُمْ ." ص37
وهنا تتضح السردية الحكائية من خلال سرد الماضي الذي عاشته الأرض بأشجارها العتيقة وهي تظلل على المحيطين بها إلى أن جاءها الغرباء وحطوا رحالهم وبيوتهم الخشبية التي حولوها إلى قلاع وحصون ودقوا أوتادهم فيها وأخذوا يصوبون على أصحاب الشجرة طلقات نيرانهم ومدافعـهم .
على أن استخدام الشاعر كلمة ( في منامي ) استخداما دقيقا ، لأن هذا واقع وليس حلما . فلعله يقصد بالحلم لحظة الخلاص وليست لحظة اندلاع النيران في الأشجار ، لأن النيران اندلعت منذ زمن وما تزال تلتهم الأشجار دون هوادة .
أما عن السردية اللغوية والزمكانية فلنا معها وقفة مطولة في موضع آخر .
أي أن الصورة الشعرية من وجهة نظر هاندي توازي المشهد القصصي ، من هذا المنطلق نقف عند قصيدة " الشجرات المقدسة " من ديوان " "أشجار النار " على سبيل التمثيل لا الحصر .
وتبدأ القصيدة بوصف شجرات التين العتيقة الموغلة في القدم والتي تذكِّر بتراث الجدود الكنعانيين ويربط بين الشجرة والإنسان من حيث أنها تفرد أغصانها في جسد الفضاء الفسيح فتُذَكِّره بأذرعة الجدود الكنعانيين وهم يلوحون بأذرعتهم الضخمة وهذا الربط بين صورة الشجرة والإنسان نجده في الميتولوجيا القديمة وتشير إليه العديد من الدراسات الميثولوجية لا سيما الغصن الذهبي لجيمس فريزر .
أن هذه الأشجار أشبه بالأشجار المقدسة في التراث القديم فهي تحمي القرية من اللصوص والوحوش البرية ويستريح في ظلها الإنسان والحيوان والطير وهي تحف بأجنحتها كل المخلوقات فتأوي إليها الأغنام الشاردة والكلاب الضالة وتحطّ عليها الطيور ويأكل منها المارون والعصافير والثعالب وتنحني عليهم جميعا تقبلهم واحدًا واحدًا .
تواجه الشجرة الغرباء القادمين من كل صوب وحدب يجرون بيوتا خشبية ومستوطنات متنقلة ويحملون في أياديهم المدافع الرشاشة والمناشير ويقومون بتقطيع الأشجار الصغيرة ، ووضعوا سياجا حول شجرات التين واندفع المصورون والمرتزقة والصحف والإعلاميون ليصرخوا بأن هذه الأشجار أشجارهم ، يقول :
وَانْدَلَقَتْ قُطْعانٌ مِنْ آلاتِ التَّصْويرِ وَمُرْتَزَقَةِ الصُّحُفْ
وَغَرَقَ الْجَميعُ بِبِحارٍ مِنَ الْخِسَّةْ
ثُمَّ صَرَخوا بِأعْلى ما في رُؤُوسِهِمْ
هذِهِ الشَّجَراتُ لَنا
أَحْضَرْناها مَعَ بُيوتِنا الْخَشَبِيَّة
نَحْنُ شَعْبُ الله … " ص 32
ومثلما نجد في الميثولوجية القديمة مدى اقتران الشجرة بالميلاد فإن شجرات التين تلد شجيرات صغيرة تحمل في يدها حجارة و سكاكين ورايات وتصرخ قائلة :
" نَحْنُ الْبِذْرَةُ وَالأرْضْ
نَحْنُ الشَّعْبُ النَّابِتُ في عُمْقِ التُّرْبَةْ
زَرَعَ الأجْدادُ لَنا الأشْجارْ
فَسَقَيْناها التَّعَبَ وَسَيْلَ الدَّمْ
نَحْنُ الْفِكْرَةُ
نَحْنُ الْعَظْمْ ." ص 33
وهنا يتضح كيف أن الأشجار يخرج من رحمها أطفال رمز المستقبل القادم يحملون الحجارة ويدافعون عن أوطانهم غير أن استخدام الشاعر لتعبير " نحن الفكرة " يدل على تناقض الرؤية الفكرية ، لأن الأطفال هم المادة والبذرة والتربة وليسوا الفكرة ، بل إن المغتصبين للأرض هم الفكرة لأنهم جاءوا بأفكار نظرية وحاولوا أن يطبقوها في أرض لا يملكونها بينما الأطفال لا يدافعون عن فكرة ولكن عن واقع يعيشونه بالفعل . وهنا يتضح التناقض في الرؤية والأداة في هذا النص .
وصور الشجرة على هذا الواقع الجديد عندما تتلو آيات مضيئة تنطلق في الفضاء أقوى من الرعد ، ويستمر الصراع بين الغرباء والأطفال الشرعيين المولودين من رحم الأشجار وتصرخ الشجرة في كل الحشود وتحثهم على المقاومة والدفاع بينما المصورون ما يزالون يصورون الأطفال الذين يتساقطون واحدا تلو الأخر ويحلم الأطفال بتفجير رؤوس الغرباء وطردهم من ديارهم يقول :
أيْدينا الْعارِيَةُ رِياحٌ عاصِفَةٌ
تَنْزَعُكُمْ كَالإبَرِ مِنَ اللحْمْ
وَسَتَرْتَحِلونْ
عَنْ دُنْيانا تَرْتَحِلونْ
بِقَوارِبَ مِنْ أجْسادِكُمُ الرَّثَّةْ
وَسَيَرْحَلُ مَعَكُمْ مَوْتاكُمْ
وَسَتَرْحَلُ حَتّى ذِكْراكُمْ
وَسَنَنْساكُمْ
وَسَنَنْساكُمْ ." ص37
وهنا تتضح السردية الحكائية من خلال سرد الماضي الذي عاشته الأرض بأشجارها العتيقة وهي تظلل على المحيطين بها إلى أن جاءها الغرباء وحطوا رحالهم وبيوتهم الخشبية التي حولوها إلى قلاع وحصون ودقوا أوتادهم فيها وأخذوا يصوبون على أصحاب الشجرة طلقات نيرانهم ومدافعـهم .
على أن استخدام الشاعر كلمة ( في منامي ) استخداما دقيقا ، لأن هذا واقع وليس حلما . فلعله يقصد بالحلم لحظة الخلاص وليست لحظة اندلاع النيران في الأشجار ، لأن النيران اندلعت منذ زمن وما تزال تلتهم الأشجار دون هوادة .
أما عن السردية اللغوية والزمكانية فلنا معها وقفة مطولة في موضع آخر .