بؤس الأحكام التائهة !

حين تفقد البوصلة، في حكمنا على الأشياء، وحين تضيع المسطرة في قياس عمق الحدث وسطحيته، نبدأ في الخلاف في تفسير ما يقال، وفي فهم السياسات، وفي الحكم على النتائج!
الموقف الأردني مما يجري في سوريا، موقف لا يمكن وصفه بالرمادي، ولا يمكن تصنيفه بين ديكتاتورية دموية تحكم، ومعارضة عربية ودولية تصعّد، وتموّل، وتسلّح:
- لا نوافق على دموية القمع لمعارضه بقيت تتظاهر ستة أشهر دون سلاح.
- ولا نوافق على تحويل المعارضة التي تحمل قيم الحرية والديمقراطية إلى جيش في مواجهة جيش السلطة. فهذه ليست قضايا نقاشية مؤداها السؤال التاريخي: على مين الحق؟!. فالنظام ليس من تكوينه قبول الرأي الآخر، أو احتمال المعارضة. ولذلك فهو يتعامل معها بالإرهاب.. وإلا فلماذا الدبابات الأولى التي اجتاحت درعا، والهدف كان منع طلاب المدارس من الكتابة على الجدران؟!
ثم أن عسكر سوريا، وبالاعتماد على تجربة عمرها نصف قرن، حتى إذا خرجوا على الحاكم الطاغية فإنهم بعد إنتهاء المعركة يجدون أنهم هم الوارثون الطبيعيون للثورة، لأنهم قاتلوا في حين أن «الأساتذة» كانوا في فنادق باريس وأسطنبول والقاهرة!!.
إذا وضعت المعارضة كل بيضها في سلة الجيش الحر، وإذا استطاع الجيش الحر أن يهزم جيش النظام، فإن الديمقراطية لن تعود إلى سوريا، لأن العسكر هم الذين يرثون العسكر!
الأردن ليس مع النظام السوري، وهو يعتبره نظاماً شائهاً لا يليق بموقع سوريا ومسؤولياتها القومية، ولكن الأردن ليس مع التصعيد الإقليمي واللجوء إلى الحرب الداخلية.. لأن الأردن يعرف أن لا أحد من العرب أو من الأميركيين والأوروبيين مستعد لشن حرب على النظام على مثيل التجربة الليبية. ولهذا فإن الأردن حصر دوره في منع حمام الدم من الانتشار شرقاً وغرباً وجنوباً، وتقديم ما يمكن تقديمه للشعب السوري الشقيق، الذي نؤمن أننا جزء منه وهو جزء منّا!!.
الذين فقدوا الإيمان ببلدهم، يصغّرون الموقف الأردني ليكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. وهذا الشنآن لا يضيرنا فالماء الذي نشربه يجب أن يكون بلا لون ولا طعم ولا رائحة.. وإلاّ فإنه كدر وطين! ( الرأي )