رمضان شهر الخلوة والجوع

لا يهم من أنت، ولا إلي أي طريق تنتمي تعال لا يهم من تكون عابر سبيل.. ناسك.. أو عاشق للحياة تعال فلا مكان لليأس هنا
تعال حتى إن كنت أخللت بالتزامك وعهدك ألف مرة
فقط تعال لنتكلم عن الله
تعال .. تعال" (جلال الدين الرومي).
لا أحب أن أدعى في رمضان وأن أدعو أحدا. وأظن أن الحديث النبوي عمن يفطّر صائما، يعني التضامن والعطاء للفقراء والمحتاجين، وليس الولائم واللقاءات الاجتماعية. ففي رمضان، يمكن أن نجد فرصة للاختلاء بأنفسنا، والتقليل من الطعام والشراب إلى الحدّ الأدنى. وفي هذه الخلوة فرصة للتأمل والتصفية النفسية والذهنية، وفي تقليل الطعام فرصة لتخفيف الوزن؛ فثلاثة أرباع الأردنيين يعانون من السمنة. وفي الجوع أيضا قهر للشهوات، وارتقاء بالنفس، وحث للجسد لمسايرة الروح والانسجام معها.
لا بأس بالجوع في رمضان لمن يجد سعة ومن لا يجد. وأظن أنه بغير هذا الجوع لن ندرك حكمة الصيام. ويمكن بوقف الدعوات والولائم توفير مال كثير، يمكن أن ينفق في أوجه أجدى وأنفع، وتوفير وقت كثير يمكن أن يقضى في أعمال كثيرة نافعة، وتوفير جهد هائل يمكن بالاستعانة به أو بتوفيره التخلص من الهدر وإنجاز شيء ما، أو على الأقل الاستراحة!
سنقرأ ونسمع ونشاهد، بالطبع، قدرا هائلا من المواعظ والنصائح والبرامج والترفيه والأفكار، وأعتقد أننا لا نحتاج من ذلك شيئا؛ حتى ما يبدو نافعا وجيدا لا نحتاجه، نحتاج إلى الصمت وأن نستمع إلى أنفسنا، وأن نؤنس أنفسنا بأنفسنا. ما معنى الصيام عن الكلام، والذي كان متبعا؟ ونعرف أن زكريا ومريم صاما عن الكلام! العزلة عن الناس شعوريا وماديا، والانكفاء على الذات والداخل والاستماع إلى أنفسنا. وسوف نجد أننا لا نسمع أنفسنا كثيرا، ولا نأنس بأنفسنا وكأننا صحبة سيئة لأنفسنا! هذه الوحشة والعزلة القاسية مطلوبة، ولكن يمكن تحويلها إلى مؤانسة للذات، ومصدر للحكمة والأفكار والتسامح وعلاج النفس وإراحتها. وأظن أنه يمكن قياس الحكمة التي حصلنا عليها بمقدار ما ينقص وزننا، وما أضفنا إلى أنفسنا من أفكار وعلوم ومعارف وتجارب جديدة. فالحكمة والمعرفة متاحة في الفضاء، ويمكن لمن يشاء ويرغب أن يلتقط منها بمقدار ما يفعل ذلك، أو بمقدار ما يستحضر منها. ماذا يفعل أولئك الذين يمضون سنوات طويلة متنسكين في الجبال والمعتزلات سوى الاستماع العميق، فيحصلون على الحكمة والمعرفة؟ وكانوا دائما يستعينون على هذه الحكمة بالتقليل من الطعام والشراب. هل هذه حكمة نزول القرآن الكريم في رمضان؟ ( الغد )