ما أشبه اليوم بالأمس !

المدينة نيوز - في العراق، عشية الحرب الأمريكية عليه، كان «السلاح النووي» وعلاقات النظام المزعومة بالقاعدة، هما الذريعة الرسمية لإعلان الحرب من خارج مجلس الأمن الدولي، والحجة أن عراق صدام حسين، بات يشكل تهديداً لجيرانه، بل وللسلم والاستقرار الدوليين، وكان ما كان.
انتهت الحرب، وجاب المفتشون بلاد الرافدين، ونقّبوا تحت كل حجر وشجرة عن الأسلحة المزعومة، ولم يجدوا شيئاً...أما القاعدة، فلم تتخذ من العراق ملاذاً آمناً لها، إلا بعد أن سقط النظام، وخضع البلاد للاحتلال الأمريكي / الغربي.
اليوم، تطفو حكاية «الترسانة الكيماوية والبيولوجية» السورية على سطح الأحداث والتصريحات والتغطيات الإعلامية...النظام السوري، بدل العراقي، باتت التهديد الاستراتيجي لجيرانه وللأمن والسلم الدوليين، وليس لمواطنيه فحسب...والمطلوب «تأمين» هذه الأسلحة، حتى لا يستخدمها النظام في حربه على شعبه، أو تفلت من يديه وتصل إلى عناصر إرهابية، لن تتوانى عن استخدامها ضد إسرائيل (؟!)...لاحظوا إسرائيل التي لم يستهدفها «الجهاد العالمي» يوماً، باتت اليوم قاب قوسين أو أدنى من الاستهداف، وبأسلحة الدمار الشامل (؟!).
رايس (سوزان) بدلا عن كوندي وكولن باول تتولى المهمة في مجلس الأمن...والرئيس أوباما، بدلاً عن جورج بوش الابن، يتولى الحديث عن أمن إسرائيل بوصفه قضية غير خاضعة للنقاش في الولايات المتحدة، ضارباً عرض الحائط أمن كل حلفاء واشنطن وأصدقائها في المنطقة، لا شيء يضاهي أمن إسرائيل في أهميته، لا شيء يعدل هذا الكنز الاستراتيجي في قيمته وحيويته من منظور استراتيجي أمريكي.
على أية حال، لقد كذب الأمريكيون، وكذب البريطانيون، والمذكرات والوثائق التي صدرت بالأطنان بعد الحرب، أظهرت كذب هؤلاء، بل وصورتهم كافراد عصابة وبلطجية، ينشرون أكاذيبهم ويفردون شباكهم لاصطياد أهدافهم بلا مسوّغ أو مبرر...لا يبحثون سوى عن مبررات لحرب مقررة سلفاً، فإن أعيتهم المهمة، طفقوا يختلقون الذرائع ويسطرون الأكاذيب، واحسب أن الوزير باول، ما زال يشعر بالإحراج كلما نظر إلى وجهه في المرآة، بعد أن قدموه كأحمق، يروج أكاذيبهم وصور أقمارهم الاصطناعية من على أعلى منبر دولي.
من الواضح تماماً أن حكاية «الترسانة الكيماوية والنووية»، ستكبر في قادمات الأيام، وتكبر معها سيناريوهات التدخل لحمايتها وتأمينها...وفي ظني أن الخطوة التالية ستكون سيلاً متدفقاً من المعلومات «المفبركة» عن إخفاء هذه الترسانة في قصور الرئيس في اللاذقية ودمشق، وفي مقر الأركان وقواعد الأسلحة المضادة للطائرات ومصانع إنتاج السلاح والصواريخ السورية، وتحت كل هدف استراتيجي يمكن أن تطاله الذراع العسكرية للولايات المتحدة وإسرائيل والناتو وكل من سيتحالف معهم من قوى عربية وإقليمية....ألم يفعلوا ذلك من قبل في العراق؟...ألم تذهب فرق التفتيش إلى غرف نوم الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بحثاً عن أسلحة الدمار الشامل؟
سيناريو البحث عن أسلحة الدمار الشامل السورية وتأمينها، ليس في واقع الحال سوى تعبير دبلوماسي ملطف عن «سيناريو التدخل العسكري المباشر»...هذه المرة بمشاركة فاعلة من دول الإقليم، وإسناد جوي كثيف من قبل الناتو والولايات المتحدة بشكل خاص...هو سيناريو يستهدف رأس النظام وقلبه وأذرعته، وليس أسلحته فقط، وهو سيناريو يتدثر شكلاً بحق دول المنطقة في الدفاع عن أمنها، ويأخذ صورياً شكل سيناريو دفاعي، بيد أنه في جوهره ومضمونه، سيناريو عدواني/ هجومي، هدفه التدخل بالقوة العسكرية لحسم معركة التغيير في سوريا...بل ولتدمير سوريا كما دُمر العراق من قبل...لقد كذبوا من قبل، وليس هناك سبب واحدٌ يمنعهم من الكذب الآن أو في المستقبل.
وسيجد هذا السيناريو من سيرحب به، حلف غريب عجيب سيقف وراءه...من «مقاومي الأمس» ورعاتهم مروراً بمروحة واسعة من إسلاميينا العرب، وعطفاً على كل الأنظمة التي ارتبطت تاريخيا بالولايات المتحدة والغرب واستراتيجياتهما، وستكون لإسرائيل حصة الأسد في مقدمات الحرب المقبلة ونتائجها، لكأننا من جديد أمام «تحالفات الحرب الباردة» وقد بعثت حيّة على هامش الأزمة السورية.
ووسط ضجيج يصّم الآذان، عن مجازر النظام وأفعاله وجرائمه، سيجري إغماض الأعين، كما يجري الآن، عن أبشع فصول تورط «الثورة المضادة» في سوريا ونجاحها الكبير في امتطاء صهوة انتفاضة الشعب السوري العادلة والمشروعة والمُحقة...سيجري التغاضي عن ألوف المقاتلين من القاعدة وشقيقاتها الذين يتسربون إلى عمق الأراضي السورية، ويرفعون أعلامهم على معبر «باب الهوى» تحت مرأى السلطات التركية ومسمعها...سيجري التطبيل والتزمير لطائرات الناتو التي أفتى «إمامهم» بجواز اللجوء إليها حقناً لدماء المسلمين.
والحقيقة أننا نعيش بعض فصول «زمن اللامعقول»، حيث ترخص وتبتذل، الشعارات والمبادئ و»الفتاوى» و»الفكر العربي»، ويتحوّل «المجاهدون» بسرعة لم يعرفها إخوانهم «المناضلون»، من خنادق العداء للاستكبار والتطبيع، إلى موائد الوساطة مع إسرائيل والتطبيع معها، ومن شوارع المظاهرات المنددة باتفاقيات الخزي والعار، إلى فقهاء يبشرون بحفظ العهود والمعاهدات، حتى استحقوا أن يصبح جيفري فيلتمان، ناطقاً باسمهم...ألم يفعل ذلك؟
(الدستور)