الأردن وسيناريو انهيار الدولة السورية

المدينة نيوز - جاءت الضربة التي تلقاها النظام السوري الأسبوع قبل الماضي، واستهدفت البنية الأمنية الداخلية (وهي ضربة استخبارية احترافية بكل المعايير)، لتعيد قراءة المشهد السوري من جديد من قبل الأطراف كافة، كل حسب مصالحه وطموحه في الشرق الأوسط القادم، مع ظهور خطاب متشائم، يأخذ بعين الاعتبار احتمالات انهيار الدولة السورية قبل النظام. تأتي هذه التطورات المتسارعة مع حضور متغيرات جديدة، تطرح ثلاثة أسئلة أساسية: أولا، هل نظام الأسد مقبل على انهيار درامي على الطريقة العربية، وأن الهشاشة الداخلية آخذة في البروز، فيما خيار المعركة الطويلة أصبح خارج الحساب؟ ثانيا، هل نحن أمام أيام سورية صعبة وحالكة، ستدفع الضغوط على الأرض بالنظام إلى المزيد من الجنون؟ وثالثا، هل نفاجأ خلال الأيام المقبلة بحدث من خارج السياق، يعيد ترتيب تفاصيل المشهد السوري والإقليمي من جديد؛ من قبيل ضربة إسرائيلية لمواقع سورية تستهدف القدرات الدفاعية والصاروخية ومخزون الأسلحة الكيماوية، وهو سيناريو تحدثت عنه الصحف البريطانية خلال الأيام الماضية؟عدم قدرة نظام الأسد على التعلم من التجارب العربية الأخرى في ضوء لعبة الأمم الجديدة، يعني، بكل أسف، قرب اليوم السوري الأسوأ، والذي يعني عمليا المزيد من العناد والجنون، فيما على الأرض تقود التحولات البلاد السورية إلى خيارين: إما الحرب الأهلية الطويلة تحت عناوين طائفية، أو تقسيم سورية إلى دويلات يبدؤها النظام الذي قد يلجأ إلى نقل تحصيناته باتجاه الساحل ومدينتي اللاذقية وطرطوس، ما يعني عمليا إنشاء دولة علوية، فيما تتحدث المعارضة الكردية علنا عن استعداداتها لإقامة دولة على الشريط الحدودي مع كردستان، أو على أقل تقدير إعلان حكم ذاتي.كل القراءات الدولية لليوم السوري القادم تبني تصوراتها على مسارات تصب في النهاية ضد الدولة السورية؛ بمعنى ليذهب النظام ولتذهب الدولة معه، أو ليبق النظام وتنهار الدولة، وفي الذاكرة الحالة العراقية والحالة الليبية معا. وهو الأمر الذي أخذ بالتبلور في الرؤية العربية مؤخرا، وفي العرض الذي قدمه المجلس الوزاري للجامعة العربية بتأمين مخرج آمن للأسد وعائلته من السلطة مقابل تنحيه عن الحكم، وذلك على وقع تفاقم العنف واستمرار القتال في دمشق وحلب، وتجنبا لسيناريوهات انهيار الدولة السورية، وهو الأمر الذي سترفضه القيادة السورية.لا يتوقف موقع الأردن من السيناريو الأسوأ بأنه الخاسر الأكبر، بل ويتحمل مسؤولية سياسية وأخلاقية وقومية هي الأكبر في حماية وحدة الدولة السورية، وفي تجنيب الأشقاء شبح حرب أهلية مفزعة. يزداد وقع هذا السيناريو مع احتمالات دخول حركة اللجوء عبر الحدود الأردنية إلى مستوى لا يحتمله الأردن، وامتداد المعارك على أطراف الحدود الأردنية، ما سيضيف حساسية جديدة، بحيث يجد الأردن نفسه طرفا في عمليات عسكرية أو لوجستية غير مرغوبة، فيما يبدو احتجاز عشرات الشاحنات الأردنية داخل الحدود السورية إنذارا بتعطيل التجارة البرية الأردنية التي تعتمد بشكل رئيس على المعابر البرية السورية.لقد حان الوقت أن يخرج الأردن من دائرة الانتظار ومن تصريحات جس النبض، وأن يصعّد جهوده السياسية بالدفع نحو الحل السياسي الذي يضمن وقف انهيار الدولة السورية ويحافظ على وحدة شعبها. ولعل أمام الأردن منافذ لتأمين صيغة للهروب النظيف للأسد، مع بقاء طرف من نظامه، ولو رمزيا، ضمن أطراف صياغة الحل، وعلى مدى مرحلة انتقالية يكون لأطراف عربية بينها الأردن مساهمة واضحة فيها. انهيار الدولة السورية سيناريو مخيف بالنسبة للأردن، وسيُدخل المنطقة في فوضى عارمة، والأخطر من ذلك أن تنهار الدولة ويبقى النظام.
(الغد)