رمضان
كان مشهد التمر هندي والسوس والخروب ، مغريا بالفعل والطعم ، وقادرا على اجباري على الشراء ، كنت وقتها أسير اليه بلا حول ولاقوة لأشتري من كل صنف كيس ، لتكون الرشفة منها قادرة لوحدها على اطفاء عطش الصيام الطويل .
قبل الغروب وعلى بعد ساعة او اكثر من الأذان ، كنت أذهب لأسرق من نوافذ البيوت ، رائحة القدور والطناجر العامرة بالطعام والزاد ، كانت رائحة الثوم دليلا على أن الضحية اليوم هي الملوخية ، ورائحة الخيار دليلا على أن هناك في ذلك المنزل مقلوبة .
قبل الغروب ، كانت الأكياس ممتلئة بالحب والخبز ، كانت طوابير القطايف طقسا خامسا يفوق طقوس الفصول الأربعة ، والتجمعات البشرية الملهفة حول بسطات النعنع والجرجير والفجل وأصوات الباعة المبحوحة بالعطش ترنيمة عشق ولحنا يروي بعذوبته النفس المرهقة .
قبل الغروب ، وجوه خاشعة بالصوم قانعة بالرزق ملهوفة على ساعة الأذان ، وأطفال بأجساد هزيلة انهكها الجوع والعطش ، وما صبرها الا خوفهم من النار لو أفطروا .
قبيل الغروب ، تجتمع الأسرة ، حول مائدة الافطار ولسان حالهم يتساءل "قديش ظايل للأذان " ، بينما الأم تمسح آخر قطرة من عرق التعب وهي تتمتم بأذكار وأيات قرآنية وتصبرنا بقولها " ماظل قد ما راح " .
وقتها كنا نشعر أن رمضان جالسا معنا على سفرة الطعام .
من كم رمضان وجاي ... حضر على مائدتنا كل شيء ألا ... رمضان نفسه .