الأسلحة الكيميائية السورية

المقصود : جرُّ العالم إلى تدخل عسكري أو تمهيد للتقسيم .
كما توقعنا أصبحت الأسلحة الكيميائية والجرثومية السورية مدار مخاوف ومبرر من أجل البحث عن مجال للتدخل الخارجي في سورية ، وكانت الخطة تتلخص أولا في جرِّ الحكومة السورية إلى الاعتراف بوجود تلك الأسلحة وبعدها يتم استكمال الحملة .
للأسف النظام السوري منذ أشهر طويلة أهدر فرصا كبيرة متتالية من أجل الخروج من الأزمة ، قبل أن تتحول إلى حرب حقيقية طاحنة بين المعارضة والنظام ، إلى ان دخل عنصر جديد بعد اعتراف دمشق بوجود الأسلحة الكيميائية وهو ما اعتبرته واشنطن وتل أبيب خطرا عليهما. وبدأت تهدد في حال استخدامها حتى ضد التدخل الخارجي.
إلا أن وزير الإعلام السوري فهم "الطابق" وأعلن أمس أن سورية لا تمتلك أسلحة كيميائية أو جرثومية ، و تصريح الناطق باسم الخارجية السورية حول عدم استعمال سورية تلك الأسلحة في الداخل لا يعني امتلاكها أصلا.
لا يمكن ان نجادل في حق امتلاك سورية وغيرها في الإقليم لأية أسلحة بما فيها الأسلحة النووية ما دامت اسرائيل تمتلكها، لأن المبرر الأخلاقي الغربي في رفض امتلاك دول الإقليم للأسلحة الفتاكة يسقط في حال وجود دول تمتلكه، لأنه لا يجوز تحريم امتلاكه على دولة او دول والسماح لآخرين بامتلاكه.
وهنا لا يمكن الاطمئنان إلى القلق الدولي الذي ظهر فجأة في العالم خوفا من الأسلحة السورية ، وكذلك لا يمكن القبول بالتهديد الأمريكي والإسرائيلي في التدخل لتأمين المواقع التي تُخزَّن فيها تلك الأسلحة، بحجة الخوف من تسليمها إلى حزب الله أو وقوعها تحت يدي عناصر تنظيم القاعدة أو حتى استعمالها.
وقد انطلقت الجوقة الاعلامية من مراكز الدراسات الغربية ووسائل الإعلام الامريكية والإسرائيلية باتجاه تخويف العالم من الأسلحة الكيميائية السورية و الحديث عن تقسيم سورية إلى عدة دول ومناطق وخارطة جدية.
وكل هذا ليس حرصا على الشعب السوري أو شعوب المنطقة ، بل حرصا على وجود الكيان الصهيوني ومستقبله، وهنا لا نعتقد قطعا أن النظام السوري كان دولة مقاومة أو ممانعة ، لكن ميزتها أنها لم تبع نفسها بالرخيص من أجل سلام موهوم ، لكنها لم تكن تشكل تهديدا عسكريا لدولة الاحتلال لا في الجولان المحتل ولا في لبنان ، وتكفي الإشارة هنا إلى مواقفها طوال العقود الماضية ، بربط الرد على الاعتداءات الصهيونية في"الوقت والزمان الملائمين" والذي لم يحنينا بعد.
وقد تجد قضية الأسلحة الفتاكة تسويقا دوليا او تكون مبررا في قادم الأيام للتدخل الاجنبي الذي بدأت مراجله تسخن ، لكن قضية تقسيم سورية جغرافيا وطائفيا وإعادتها إلى أيام "السناجق"، ليس من السهل تمريرها ، والسبب ليس قوة النظام السوري او رفض شعبه بل لأسباب إقليمية ، فقيام إقليم او دولة للعلويين او الأكراد او غيرهما سيجد رفضا قويا من جانب تركيا ، حيث أن لديها العديد من الأقليات التي يمكن ان تفتح شهيتها على التمثيل السياسي.
المؤامرة كبيرة، لكن الجميع يتحمل وزرا في منعها ، وعلى رأس ذلك النظام السوري الذي لم يعد لديه الكثير من الأرواق والحل السياسي وحده يمنع تمزيق البلد او دخولها في حرب طائفية، والفرصة ما زالت مهيأة لتنازلات كبيرة ، ومن يتنازل لشعبه يكبر ولا يصغر.
(العرب اليوم)