من ذكريات الغربة

تم نشره الأحد 29 تمّوز / يوليو 2012 01:52 صباحاً
من ذكريات الغربة
محمد اكرم خصاونه

 

لا يحس بألم المعاناة إلا من اصيب بها، ولا يحس بوهج الشوق إلا من اكتوى بألم الفراق ولا يحس بالحنين إلا من عاش السفر والرحيل .
وهذا لا يعني بالضرورة من ان الغربة هم وحزن والم ووجع وحرمان ، فقد تكون الغربة سكينة وراحة وأمان وإثبات للذات في بلد ارتحل إليها غير بلده وأثبت هناك بقدرته وجداراته ، فكان البلد المضيف خيرا له وعليه وكأنه بلده الأصيل .
والغربة والرحيل فيها الفوائد والمنافع والمال وقد قيل في الغربة سبع فوائد ، وفيها اثبات الرجل من قدرته على التكيف والتأقلم في البلد الذي رحل اليه ، وفيها التعرف على عوالم جديدة متنوعة ومتعددة ، والإختلاط باقوام جدد غير الذين عايشهم في بلده ، وتعطي المرء استقلالية واعتمادا على الذات ، وتكون حافزا له على العودة بعد رحلة الإغتراب مرفوع الراس عالي الجبين .
وبما انني عشت الغربة فتمر بخاطري ذكريات جميلة تداعب خيالي وتهز كياني وتعزف على اوتار القلب انغاما جميلة فيها الفرح احيانا ، وفيها الحزن احيانا وفيها الشوق الكبير لمن عشت وعملت بينهم ومعهم من اهل الإمارات الطيبين الذين اكن لهم كل محبة ومودة واحترام ، ولو كان لى الخيار بعد العودة للوطن لأثارات الرجوع للإمارات من جديد ، لأنني الفت ارضا دافئة بحرها كدفء اهلها الكرام ، وعشقت ارضا فيها المودة ، وفيها النظام ، وفيها الإحترام ، وفيها الألفة ، وفيها الإنسجام ، وفيها الأمن والأمان والإطمئنان وراحة البال ، وهناك لا تحس بالغربة ولا بأنك غريب ، بل انت عنصر فاعل وعامل في هذا البلد وهذا المجتمع والذي تعيش فيه جنسيات واعراق وديانات متنوعة متعددة ، الكل في عمله وحياته واحترام الأخر بين الجميع باد وظاهر وواضح ، فلا تتدخل للغير بخصوصيات الاخر. فمن مخالطتنا لإجناس واعراق غريبة ومتنوعة كان الأحترام والود متبادل بين الآخرين حتى وان اختلفت اللغة وان اختلف الدين وان اختلف المسلك ، الكل جاء لعمل ووظيفة يريد النجاح فيها ، وتقديم الخدمة لبلد فتح ذراعيه مرحبا .
وانت كمغترب عن وطنك وكوافد هناك تريد ان تعطي ما لديك من خبرة في مجال عملك ، فتجد التقدير وتجد الإحترام في مختلف الدوائر وعند مراجعتك لأمر من امورك وخاصة كمعلم جئت لتعلم ابناءهم .
وكم نهضت الدولة وتطورت في جميع مناحي الحياة بهمة حكيمها وقائدها المغفور له الشيخ زايد ،وبمعاونة اخوانه حكام الإمارات ، فمن ارض ارض جرداء وصحراء تحولت الى ارض خضراء وغناء و بإخلاص وصدق من يريد الخير والإصلاح لبلده كالمغفور له الشيخ زايد طيب الله ثراه .
فالبلد اصبحت تضاهي الدول الأوروبية بجمالية بيوتها وشوارعها وبنيانها الشامخ ، وبنظافة شوارعها وبحرها وساحتها ولقد حرصت الدولة على النظافة ففرضت غرامة كبيرة 500درهم اي مايقارب ال100دينار اردني على من يلقي المخلفات من سيارته او في الحدائق اوعلى البحر فالغرامة تردع لمن لا ينضبط من غير رادع ، فترى النظافة تزين الشارع والمكان .
والكل من ابناء البلد لديه حب وانتماء وتقدير لشيوخ دولتهم ، وكم ادهشني ذات يوم عندما كنت عائدا من عملي وكانت الأشارة الضوئية معطلة وكان القائم على تنظيم المرور احد الأفراد العاديين من المواطنين ، وجميع من كان يسلك الطريقا كان ملتزما بتنظيمة المرور . فاين حالنا اذا تعطلت اشارة المرورلسبب ما عندنا في الأردن ؟ وهل نقبل لو تطوع احد منا بتنظيم المروركمثل هذه الحالة ؟ هل سيجد تجاوبا من مستخدمي الطريق " " "؟؟
كما ابدت الدولة اهتماما كبيرا بالتعليم من حيث بناء افضل المدارس النموذجية وتجهيزها بمختلف المختبرات ، ولم تنس وزارة التربية من تدريب العاملين في مدارسها على استخدامات التكنولوجيا وليكون التعليم اللألكتروني في المدارس على مستوى عال من الرقى والتقدم والتطور ، وعمل الورش وعقد الندوات والمؤتمرات والمشاركات على مستوى الدولة او على مستوى منطقة الخليج واحيانا على مستوى العالم ، وفي الأونة الأخيرة تم استقدام المعلمين من مختلف دول العالم فكان معنا معلمون من كندا واستراليا ونيوزيلندا ، واخيرا من البرازيل ، دولة اهتمت وقدمت وانفقت لتظهر بمظهر الرقي والتطور فأبدعت والكل كان يحس بواجب العطاء والعمل بمهنية واخلاص ، مع شعور براحة واطمئنان .
وكذلك الصحة والأهتمام بالفرد فالمستشفيات المتطورة والمتقدمة لم ننساها .
اما الفرد والأنسان عندهم فله من الدولة كل ما يحتاج منذ الولادة وحتى الممات فالدولة تتكفل له بكل متطلبات الحياة من توفير المسكن والمساعدة في الزواج واعطائه فرصة العمل الذي يريدها ، ومن اطلق قول ((اماراتي وافتخر )) حقا انه يستحق الفخر ببلد يباهي به ارقى البلدان في العالم لأن الدولة وفرت له كل مستلزمات ومتطلبات الحياة الكريمة له دون عناء ومشقه .
اما الكورنيش الجميل بما فيه من مسحة جمالية تخلب الألباب ففي كل يوم عمل جديد وتطوير للأفضل من ساحات خضراء واماكن للتنزه وما مدينة الفورملا وغيرها من المشاريع الكبرى والمتطورة التي يعجز المرء عن حصرها وعدها انما هي نماذج قليلة وغيرها الكثير الكثير .
والدولة تحرص على توفير سبل الراحة لمواطنيها والمقيمين على ارضها دون استثناء ، وما زلت اذكر عندما طلبت هاتفا ثابتا طبعا بعد القيام بالإجراءات اللأزمة ، فتتصل بك شركة الأتصالات لتحدد لك الموعد لتركيب هاتفك الأرضي الثابت ، فيأتيك العامل الفني وغالبيتهم من الجنسيات الأسيوية، فأتى العامل ومعه ثلاثة اجهزة ، فقلت له اريد هاتفا واحدا فقال لي بلغته الهندية العربية المكسرة (( بابا انت يختار لون زين)) طبعا احضر ثلاثة اجهزةبالوان مختلفة الأزرق والأسود والأحمر ولك الخيار ، وليس بقاء الألوان ثابتا لكل الناس " " "؟ لمن يريد تركيب هاتف ارضي.
اشياء كثيرة كثيرة يطول تذكرها وذكرها ولكن هذا ما وددت البوح بجزء منه وكنوز الذكريات تملأ الذاكرة .
ومن الذكريات الجميلة في رمضان ترى التسابق لفعل وعمل الخير فتقوم كل اسرة من اسر الإمارات الأجلاء بعمل خيمة بجانب البيت والمسكن الذي تعيش فيه والغالب السكن يكون فيلا تقدم فيه الطعام لكل من يرغب من جميع ساكني المنطقة وبدون معرفة تجلس وتتناول طعامك بكل محبة وتقدير واحترام ، وان لم تكن خيمة فهناك المجلس اي ما يشبه الصالو ن عندنا ويكون منفصلا عنا بقية الفيلا تقريبا ويوضع فيه الطعام والعصائر والقهوة والشاي والفواكه .
ومن الأكلات المشهورة في الأمارات ((اكلة الهريس )) وهي عبارة عن قمح يهرس حتى الذوبان ويكون مخلوطا باللحم او الدجاج ويدق اللحم حتى يصبح والقمح كالعجين مضاف اليه القرفة والمنكهات ، اضافة الى اكلات اخرى كالثريد واللقيمات .
ومن الذكريات الجميلة الطيبة نحن كمعلمين كنا نختار يوما لإفطار جماعي داخل المدرسة فيحضر كل واحد من المعلمين اكلة شعبية وتقام مائدة كبرى كبوفيه مفتوح توضع الأصناف المتنوعة ، كالمنسف الأردني ، والثريد والهريس الإماراتي والبرياني ، والمحاشيى والمقلوبة من بلاد الشام ، والكسكسي من المغرب العربي ، والكسرة السودانية ، والمندي اليمني ، و الحمام بالفريك المصري ، اضافة الى الأسماك والدجاج واللحوم واصناف كثيرة متنوعة متعددة تكون قد جمعت ابناء الوطن العربي من شرقه لغربه ومن المحيط الى الخليج.
يالروعة تلك الأيام ، ويا لجمالها ، ويالحسن الصداقة والمودة التي كانت تسود وتكتنف الجميع .
انها ايام طيبة لن تمحى من الذاكرة ولن تختزل بمرور السنين والرحيل عن الأمارات والعودة لديار الوطن فالحب والتقديرسيبقى لمن عشت بينهم سني عمري الجميلة .
شعب الإمارات شعب ودود محب ، شعب طيب ، شعب يقدر الضيف ويعمل على إكرامه ، كطيب شيوخها وحكامها الأجلاء ، ولنا في المغفور له الشيخ زايد رحمه الله اكبر مثال ، فكان رحمه الله مثالا في الخلق والأدب والتواضع والنبل والكرم وكثيرا ما كنا نراه في جولات في ميادين الدولة وساحاتها ، دونما حراسة مشددة وكان البعض يقترب للسلام عليه دون دفع وتعنيف من حراسته المبسطة .
وكم كان موقفا نبيلا من سموه رحمه الله وجعل مثواه الجنة ، وعندما سمع بوفاة جلالة الملك حسين في عام 1999رحمه الله وطيب الله ثراه، فأمر صاحب السمو المغفور له الشيخ زايد بوضع وديعة مالية كبيرة ، في البنك المركزي الأردني دعما لأهله في الأردن ، ولا اعتقد بأنه استردها بل بقيت دعما وعونا للأردن .
ولا انسى يوم وفاة الشيخ زايد رحمه الله في رمضان من عام 2004 وعندما جاء الخبر ، وكنا في صلاة التروايح، وعندما اعلن إمام المسجد عن نبأ وفاة الشيخ زايد رحمه الله ، كيف اصاب الوجوم المصلين من اهل الإمارات ، ومن كل المصلين و من الوافدين في المسجد ، كانت لحظة اليمة صعبة على فراق شيخ طيب كريم معطاء لأمته شهم لا يتوانى عن فعل الخير ومد يد العون لكل محتاج في مشارق الأرض ومغاربها.
ويوم دفن الشيخ زايد كم اصاب الحزن نفوس كل من عاش على ارض الإمارات ، وكم كان اللألم واضحا وباديا على كل من كان فوق ارض الإمارات ، حتى البيوت كنت تحس بأنها كانت باكية حزينة ، والأسواق كانت مغلقة خاوية، والأرض التي عشقها واحبها ، وغرس فيها الأشجار كنت تحس بأنه ذابلة وكذلك الزروع ، كانت تحس بفقدان من احبها وغرسها وامدها بكل ما تحتاج .
لك الله يا شيخ زايد كم كنت صادقا مع شعبك ومع ابناء وطنك العربي الكبير ، فعليك الرحمة ولك المغفرة وجعل الله مثواك الجنة.
ولإمارات الخير التي اعشقها اجمل تحية ، ولمن عرفت من زملاء في العمل بمدارس الدولة من معلمين وموجهين ومدراء ومسؤولين على اختلاف جنسياتهم لهم الحب والثناء والتقدير وللطلاب الذين كان لي شرف تعليمهم اجمل باقة ورد متمنيا لهم التوفيق والنجاح والسداد ولشيوخ الإمارات جميعهم اجمل باقات الورد ورمضان كريم علينا وعليكم .



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات