أبو علي «رائد» المثقفين في «كشكه» الأردني
تم نشره الأحد 29 تمّوز / يوليو 2012 10:00 صباحاً
المدينة نيوز - في «دخلة» صغيرة لا تتجاوز مساحتها مترين مربعين، دشّن الأردني حسن (أبو علي) أول كشك لبيع الكتب في عمّان في سبعينات القرن الماضي.
وفي قلب المدينة القديمة، يبدأ الحاج أبو علي يومه في السادسة صباحاً بفتح البوابة القديمة لذلك الكشك، قبل أن يهم بقراءة الصحف المحلية والعربية والمجلات التي يغصّ بها دكانه الصغير.
وقبل افتتاح الكشك بسنوات طويلة، كان أبو علي صاحب السحنة السمراء التي نالت منها قساوة الشمس يبيع الكتب على قارعة الطريق في المكان ذاته.
وفي مقابلة مع «الحياة» داخل الكشك الذي يختزل ذاكرة المكان والزمان للعاصمة الأردنية، يقول أبو علي إنه كان يبيع الكتب على «بسطة» صغيرة في المكان ذاته أوائل الخمسينات من القرن الماضي. وقبلها بسنوات طويلة، عندما كان في التاسعة من العمر، باع الصحف في الشوارع والأزقة القديمة، خصوصاً الصحف العربية واللبنانية.
يذكر جيداً تلك الصحف والمجلات التي كان يطوف بها الشوارع والأحياء، ومن بينها مجلة «آخر ساعة» التي كانت تباع بقرشين ونصف قرش، إضافة إلى صحف «الحياة» و»الأنوار» و»النهار» اللبنانية، ولم تكن أسعارها تتجاوز في ذلك الوقت قرشاً ونصف قرش!
ويرتبط صاحب أول محل لبيع الكتب في عمان ارتباطاً وثيقاً بالبلدة القديمة، كما هي الحال بالنسبة إلى ارتباطه بالمعرفة وشغفه بقراءة الروايات والمجلات الثقافية. ويقول إنه يمضي إجازته الأسبوعية أيام الجمعة متنقلاً بين البيت والحارة وجلسات الأصدقاء القدامى، لكنه يعد الساعات حتى تطلع شمس اليوم التالي، ليعود إلى مكانه المفضل مجدداً. ويضيف: «لا أستطيع إخفاء حبي وشغفي بدكان الكتب، بل وعشقي له إلى حد الجنون».
وبحلول وقت الظهيرة، يجلس أبو علي على كرسي خشبي صغير، يرشف فنجاناً من القهوة الحلوة مطلقاً العنان لدخان سيجارته، يحدق بالمارة الذين يبادلونه التحية، فيبادلهم ابتسامة يرى المقربون منه إنها «مفعمة بالأمل والتفاؤل وحب الآخرين».
يرفض أبو علي أن يصفه الآخرون بـ «تاجر الكتب». ويقول: «يقصد الكثير من الفقراء مكتبتي، لكنهم لا يستطيعون شراء ما يحلو لهم من كتب ومجلات، ما يدفعني إلى منحها إياهم مجاناً وعن طيب خاطر. لا أستطيع وصف سعادتي عندما أرى الناس يقرأون في الشوارع ووسائل النقل العام، بدلاً من أن يضيعوا أوقاتهم في أمور لا معنى لها».
ويذكر أبو علي جيداً تفاصيل المكان الذي يعمل فيه منذ عقود، ويشير بيده إلى شارع تتفرع منه أزقة ضيقة تتناثر على جانبها بنايات مبنية من الطوب والإسمنت، قائلاً: «في هذه الجهة كانت ترابط الحافلات والمركبات لنقل المواطنين من الضفة الغربية وإليها. وإلى جانب المكتبة كان هناك مستوصف صغير يقدم العلاج مجاناً، وإلى جانبه أيضاً كان البنك العثماني يقدم الخدمات المصرفية للزبائن».
ويضيف: «اليوم تغيّر كل شيء، المباني تغيرت والشوارع أيضاً، وحتى الناس تغيروا! فالإقبال على القراءة أصبح ضعيفاً وليس كالماضي».
لكن أبا علي الذي منحه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عام 2002 وسام الاستقلال من الدرجة الرابعة، يكشف أن «الكثير من المثقفين العرب والأردنيين يحرصون على زيارتي بغية اقتناء الكتب بين حين وآخر».
ويرى أن «وصفة النجاح» التي تقف وراء صيته الذائع تكمن في «التركيز على الروايات العربية والعالمية ذات المستوى العالي»، إلى جانب إعطاء الصدارة دوماً للكتّاب المحليين، وكذلك إعطاء الأولوية للحسابات الإنسانية والاجتماعية وليس المادية. فدفتر الديون يعجّ بأسماء كثيرة لم تسدّد ما عليها من أثمان كتب منذ سنوات.
( الحياة اللندنية )
وفي قلب المدينة القديمة، يبدأ الحاج أبو علي يومه في السادسة صباحاً بفتح البوابة القديمة لذلك الكشك، قبل أن يهم بقراءة الصحف المحلية والعربية والمجلات التي يغصّ بها دكانه الصغير.
وقبل افتتاح الكشك بسنوات طويلة، كان أبو علي صاحب السحنة السمراء التي نالت منها قساوة الشمس يبيع الكتب على قارعة الطريق في المكان ذاته.
وفي مقابلة مع «الحياة» داخل الكشك الذي يختزل ذاكرة المكان والزمان للعاصمة الأردنية، يقول أبو علي إنه كان يبيع الكتب على «بسطة» صغيرة في المكان ذاته أوائل الخمسينات من القرن الماضي. وقبلها بسنوات طويلة، عندما كان في التاسعة من العمر، باع الصحف في الشوارع والأزقة القديمة، خصوصاً الصحف العربية واللبنانية.
يذكر جيداً تلك الصحف والمجلات التي كان يطوف بها الشوارع والأحياء، ومن بينها مجلة «آخر ساعة» التي كانت تباع بقرشين ونصف قرش، إضافة إلى صحف «الحياة» و»الأنوار» و»النهار» اللبنانية، ولم تكن أسعارها تتجاوز في ذلك الوقت قرشاً ونصف قرش!
ويرتبط صاحب أول محل لبيع الكتب في عمان ارتباطاً وثيقاً بالبلدة القديمة، كما هي الحال بالنسبة إلى ارتباطه بالمعرفة وشغفه بقراءة الروايات والمجلات الثقافية. ويقول إنه يمضي إجازته الأسبوعية أيام الجمعة متنقلاً بين البيت والحارة وجلسات الأصدقاء القدامى، لكنه يعد الساعات حتى تطلع شمس اليوم التالي، ليعود إلى مكانه المفضل مجدداً. ويضيف: «لا أستطيع إخفاء حبي وشغفي بدكان الكتب، بل وعشقي له إلى حد الجنون».
وبحلول وقت الظهيرة، يجلس أبو علي على كرسي خشبي صغير، يرشف فنجاناً من القهوة الحلوة مطلقاً العنان لدخان سيجارته، يحدق بالمارة الذين يبادلونه التحية، فيبادلهم ابتسامة يرى المقربون منه إنها «مفعمة بالأمل والتفاؤل وحب الآخرين».
يرفض أبو علي أن يصفه الآخرون بـ «تاجر الكتب». ويقول: «يقصد الكثير من الفقراء مكتبتي، لكنهم لا يستطيعون شراء ما يحلو لهم من كتب ومجلات، ما يدفعني إلى منحها إياهم مجاناً وعن طيب خاطر. لا أستطيع وصف سعادتي عندما أرى الناس يقرأون في الشوارع ووسائل النقل العام، بدلاً من أن يضيعوا أوقاتهم في أمور لا معنى لها».
ويذكر أبو علي جيداً تفاصيل المكان الذي يعمل فيه منذ عقود، ويشير بيده إلى شارع تتفرع منه أزقة ضيقة تتناثر على جانبها بنايات مبنية من الطوب والإسمنت، قائلاً: «في هذه الجهة كانت ترابط الحافلات والمركبات لنقل المواطنين من الضفة الغربية وإليها. وإلى جانب المكتبة كان هناك مستوصف صغير يقدم العلاج مجاناً، وإلى جانبه أيضاً كان البنك العثماني يقدم الخدمات المصرفية للزبائن».
ويضيف: «اليوم تغيّر كل شيء، المباني تغيرت والشوارع أيضاً، وحتى الناس تغيروا! فالإقبال على القراءة أصبح ضعيفاً وليس كالماضي».
لكن أبا علي الذي منحه العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني عام 2002 وسام الاستقلال من الدرجة الرابعة، يكشف أن «الكثير من المثقفين العرب والأردنيين يحرصون على زيارتي بغية اقتناء الكتب بين حين وآخر».
ويرى أن «وصفة النجاح» التي تقف وراء صيته الذائع تكمن في «التركيز على الروايات العربية والعالمية ذات المستوى العالي»، إلى جانب إعطاء الصدارة دوماً للكتّاب المحليين، وكذلك إعطاء الأولوية للحسابات الإنسانية والاجتماعية وليس المادية. فدفتر الديون يعجّ بأسماء كثيرة لم تسدّد ما عليها من أثمان كتب منذ سنوات.
( الحياة اللندنية )