ومن يتق الله يجعل له مخرجاً

في الظروف التي تمر بها أمتنا يشد الإنسان رغماً عنه لمتابعة الأحداث والتفكير في المستقبل، وهذا الأمر لا بأس فيه، فإن الاهتمام بشؤون الأمة دليل على الشعور بالانتماء إليها، والتفكير في المستقبل فطرة فطر الله الناس عليها، ولكن البأس في أن ينشغل الإنسان بواجب عن واجب، إذ لا يعفيه من واجب انشغاله بآخر، وللواجب الملازم للإنسان في كل حين هو (تقوى الله عز وجل) وهي الواجب الذي كلف الله تعالى به كل الأجيال، وجعل سعادتهم مرتبطة بها قال تعالى (ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله) وبين عاقبة هذه التقوى فقال : (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب) وقال (والعاقبة للتقوى).
وإذا تذكرنا أن التقوى هي فعل الطاعات وترك المنهيات، علمنا أن التقوى لا تعني الانعزال وترك الأمور يعبث بها أعوان الشيطان، بل تعني التصدي لها بصلابة المؤمن الذي بضعف إيمانه بالإسلام إعراض الناس عن الإسلام، ولا يشككه في وعد الله عدم رؤية الأسباب المؤدية إلى ما وعد الله، لأن الله هو خالق الأسباب والمسببات، وحكمته في تصريف شؤون خلقه لا يحيط بها أحد وتصريفه لشؤون عباده ليس كتصريف العباد لشؤون العباد، والإيمان الذي يتقرر عليه مصير الإنسان في الآخرة هو التصديق بما وعد الله المبني على الثقة بالله لا على رؤية الأسباب.
وإذا أردنا أن نفصل هذا الإجمال بعض التفصيل نقول: إن واجب المؤمن في هذا الظرف يتلخص فيما يلي:
1.أن يبعد نفسه ومن يلوذ به عن تيار الفساد. عملاً بقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) وأن يروض نفسه وأهله على طاعة الله طاعة مطلقة لا تتأثر بما في المجتمع من مفاسد عملاً بقوله تعالى : (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقاً نحن نرزقك والعافية للتقوى) وإن من قصر النظر أن يشتغل الإنسان بمعيشة عياله عن مستقبله ومستقبلهم في الآخرة، وكما أن تضييع العيال في الدنيا حرام فتضييعهم في الآخرة أشد حرمة.
2.أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ضمن الحدود التي نص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) وإن يستشعر مع ذلك الرحمة بمن يدعوهم إلى الخير لأنهم مرضى يهلكون أنفسهم وهم لا يشعرون، ويستشعر مع ذلك نعمة الله عليه إذ جنبه ما وقع به العصاة، ونحن نعلم أن سجود الشكر شرع عند رؤية المبتلى بدينه أو دنياه.
3.أن تكون له روح عالية لا يضعفها لمز اللامزين ولا سخرية الساخرين وليذكر ما قاله نوح عليه السلام لقومه (قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم).
4.أن يستحدث أساليب للدعوة تناسب ظروفه وما يجد أمامه لتظل الدعوة إلى الله متجددة ولا يبقى لبعيد عن الله حجة.
5.أن يتأكد من أن نصر الله آت لا ريب فيه وأن المؤمن منتصر على كل حال فهو إن أدركته المنية تقياً داعياً إلى الله فاز بما عند الله (وذلك هو الفوز العظيم) وبشر في قبره بنصر المسلمين من بعده، وإن عاش حتى يدرك النصر فقد أدرك خيراً وعاد إلى خير في مستقر رحمة الله.
6.أن يتسلح في هذه الفترة العصيبة بالأعمال الصالحة مهما كان نوعها، فهي زاد الطريق، وذكر الله ليذكره الله بالرحمة والتوفيق والتأييد، وليداوم على قراءة القرآن، ليعلم أن الظرف الذي يمر به قد مر على السابقين، ثم فرج الله تعالى عنهم وليعرف طريق السلامة في متاهات الحياة، أما الذي ينتظر حتى تواتيه الظروف ثم يتفرغ لطاعة الله فما أظن الظروف تواتيه ومتى كانت الدنيا مواتية لأحد من الناس، فلنعتصم بوصية الله بالتقوى بمعناها الواسع ولنجعل التقوى زادنا اليومي قال الله تعالى (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.( العرب اليوم )