عتب رفاقيّ أخويّ

هذا عتب رفاقي (أخويّ) على حزب الله وقائده المقاوم الباسل الشيخ حسن نصر الله. لقد عرفناكم مناضلين ثابتين ضدّ الصهيونيَّة والإمبرياليَّة، ورافضين حاسمين للتطبيع مع العدوّ الصهيونيّ بكلّ مستوياته وأشكاله؛ لذلك، لم نفهم تلبية حزبكم الدعوة التي وجَّهها لكم حزب النهضة التونسيّ للمشاركة في مؤتمره العامّ، مؤخّراً. هل فاتكم أنَّ رئيس هذا الحزب أقدم على ارتكاب سلوكات تطبيعيَّة صريحة مع الصهاينة، خلال الأشهر الماضية، ثمناً لفوز حزبه بالسلطة؟
لقد قام السيّد الغنّوشيّ، قبل أشهر، بزيارة وديَّة لـ"معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، في الولايات المتَّحدة، الذي أسَّسته المنظَّمة الصهيونيَّة "آيباك"، صاحبة النفوذ المعروف هناك، وهو يعمل برعايتها وضمن أهدافها. وفي تلك الزيارة، أبدى الغنّوشيّ لمضيفيه كلّ أصناف التودّد والنوايا الحسنة، تجاه "إسرائيل" والحركة الصهيونيَّة، وقال إنَّه لا يوجد في الدستور التونسيّ ما يمنع مِنْ إقامة علاقات مع "إسرائيل"، وإنَّ الدستور الجديد لن يتضمَّن إشارات معادية لـ"إسرائيل" والصهيونيَّة.
وقد اعترف الغنّوشيّ، بنفسه، بأنَّه لا يجهل طبيعة "معهد واشنطن"، ذاك، عندما أُضطرّ لتوضيح جانب آخر مِنْ تصريحاته، في المعهد، نُقِل عنه قوله فيه إنَّ الممالك العربيَّة ستشهد ثورات هي الأخرى. وقد فُهِم أنَّه يقصد بذلك السعوديَّة ودول الخليج. الأمر الذي أثار غضب تلك الدول عليه؛ فاضطرّ لإرسال ذلك التوضيح إلى جريدة "الشرق الأوسط" السعوديَّة، لينفي فيه هذا الجانب مِنْ تصريحاته، بالتحديد، بقوله إنَّها "ملفَّقة استهدفت الإساءة إلى علاقاتنا مع الولايات المتَّحدة والدول الغربيَّة والعربيَّة، وخاصَّة دول الخليج". وعزَّز توضيحه بعذرٍ مضحك، فقال: "حضرتُ ندوةً (في معهد واشنطن) واتِّفقنا على أنَّها لا تكون للنشر، ولمّا نشروها احتججنا على الموضوع، فاعتذروا، وهذا مِنْ باب العمل على الإساءة إلى علاقاتنا الدوليَّة". وانتقد الصحفيين الذين نقلوا تصريحاته، تلك، لأنَّهم، برأيه، "ينقلون عن جهات صهيونيَّة ومعروفة بتحيّزها (معهد واشنطن)، لا سيَّما إذا كان الأمر مسيئاً لعلاقات عربيَّة – إسلاميَّة، والصهيونيَّة لا يسعدها قطعاً أنْ ترى علاقات إسلاميَّة جيِّدة".
ومن الواضح أنْ كلّ ما كان يشغل بال السيّد الغنّوشيّ هو فقط أنْ لا تغضب دول الخليج عليه. أمَّا جانب تصريحاته المتعلِّق بالفلسطينيين و"إسرائيل"، فقد صمت حياله صمت القبور.
ولا يقتصر السلوك التطبيعيّ للغنّوشيّ على هذه الواقعة؛ فأثناء مشاركته في مؤتمر دافوس، أدلى بتصريحاتٍ خاصَّة لإذاعة "صوت إسرائيل"، قال فيها إنَّ مستقبل علاقات تونس بـ"إسرائيل" مرتبط بموضوع حلّ القضيَّة الفلسطينيَّة". محاولاً تصغير حجم القضيَّة الفلسطينيَّة مِنْ كونها قضيَّة العرب الرئيسة إلى كونها شأناً فلسطينيّاً خاصّاً؛ حيث، برأيه، على الفلسطينيين أنْ يقرِّروا بأنفسهم طبيعة علاقاتهم مع "إسرائيل"، وأنَّ الحركات الإسلاميَّة ستتصرَّف بموجب القرار الفلسطينيّ.
فما الذي يتبقَّى للفلسطينيين ليقرِّروا بشأنه إذا تركهم العرب وحيدين أمام "إسرائيل"؟
وقد أدان عددٌ من الأحزاب والمنظَّمات التونسيَّة هذا الموقف التطبيعيّ الصريح، بشدّة، واعتبره خرقاً سافراً لما توافق عليه التونسيون مِنْ وجوب منع أيّ تواصل مع دولة العدوّ الصهيونيّ بما في ذلك التواصل الإعلاميّ، مؤكِّداً أنَّ قضيَّة فلسطين هي قضيَّة كلّ العرب وليست قضيَّة الفلسطينيين وحدهم. ودعتْ "الهيئة الوطنيَّة لدعم المقاومة العربيَّة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيونيّ"، في تونس، "إلى محاسبة كلّ القوى التي تعمل على التطبيع مع الكيان الصهيونيّ بما في ذلك التطبيع الإعلاميّ"، وطالبتْ بإدراج تجريم التطبيع مع الكيان الصهيونيّ في الدستور القادم وتفعيل القوانين التونسيَّة التي تعاقب المطبّعين مع الصهاينة في مختلف المجالات السياسيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة.
وتجدر الإشارة إلى أنَّه، أثناء انعقاد المؤتمر القوميّ والإسلاميّ العربيّ، في تونس، مؤخّراً، احتج مشاركون، علناً، عندما رأوا الغنّوشيّ يحضر جلسات المؤتمر.
لذلك، كلّه، فإنَّ مشاركة حزب الله، في مؤتمر "حركة النهضة"، مِنْ دون أنْ تعلن تلك الحركة موقفاً واضحاً مِنْ سلوك رئيسها التطبيعيّ، هو كبوة نأمل أنْ يتداركها هذا الحزب المقاوم، بما هو معروف عنه مِنْ شجاعة في الموقف وإخلاص للقضيَّة العربيَّة وصلابة في التصدّي للتطبيع وللعدوّ الصهيونيّ وأتباعه، بالاعتذار عنها، علناً، لكلّ محبّيه وأصدقائه. ( العرب اليوم )