الخطاب الديني وتجديده
تم نشره الجمعة 03rd آب / أغسطس 2012 12:19 مساءً

د. أحمد نوفل
تكلمنا عن مفهوم الخطاب والتوسع في هذا المفهوم حتى صار يشمل كل أنواع التواصل البشري الثقافي والإعلامي والسياسي.
ثم موارد الخطاب في القرآن واستعرضنا سورة «ص»، وبينا أهمية الخطاب ودور الكلمة، والصورة من بعد فالثقافة اليوم ثقافة الصورة، وكله خطاب.
واليوم نتكلم عن الخطاب الديني، وهو عمل بشري يعتريه النقص والخلل أو التوفيق، فيحتاج إلى نقد وتقويم وتصويب وتجديد. وهذه بعض الملاحظات على الخطاب الإسلامي:
عالمية الطرح
يجب أن نرتقي بخطابنا إلى العالمية، فنحن لها إن تأهلنا لها، وهل غريب وأول كلمة في القرآن: (الحمد لله رب العالمين)، وأول صفات نبينا: (وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين)، وأول مهمات أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الشهادة على الناس كل الناس: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وكلمة الصحابي العملاق ربعي بن عامر الذي لم نعرف عنه إلا هذا الموقف مع رستم وهذه الكلمات، حيث قال لرستم وقد سأله: ما أخرجكم من جزيرتكم؟ قال: «الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة..»
أيها الأحباب الكرام لن ينقذنا من الصَّغَار والسفساف الذي حاصر حياتنا إلا بأن تكبر اهتماماتنا بعالمية الطرح، والذين يشغلوننا بقضايا صغيرة يديرون من حولها معارك كبيرة طاحنة، هؤلاء سيتوقف عبثهم إن كبرت القضية التي يعملون لها. ولا أريد أن أضرب الأمثلة لا بتمبكتو ولا بغيرها.
إن الفكر التافه في غيبتنا تسيَّد وتعملق وأصبح شيئاً مذكوراً، ولكن الشمس إذا طلعت لا أقول تختفي النجوم، ولكن تختفي خفافيش الظلام.
كيف يطمح دعاة الفلسفات والمذاهب كلها أن يطرح كل بضاعته على مستوى العالم، وصاحب البضاعة ذات المواصفات العالمية منزو منطو على نفسه؟
آن أن تغرس هذه الفكرة في النفوس، وأن يطرح الفكر الإسلامي بديلاً عن غثاثات الواقع العالمي الموجودة، لن تكبر الأمة إلا إذا كبر دورها، وأنت دورك في الحياة، وأنت وظيفتك أن تهدي العالمين وتوصل الهدى للعالمين. ووظيفتك أيها المسلم، ويا من تزاول الدعوة بخاصة أن تنشر النور في العالم: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس).
عالميتهم حرب للفطرة، وعالميتنا انسجام واستحياء للفطرة واستنقاذ لها.
إن طرح أو عرض فكرة الإسلام العظيم كبديل حضاري ضروري ومهم. ومن أسف أن من أسلم مؤخراً سبقونا إلى هذا العرض وهم روجيه غارودي ومراد هوفمان، وممن طرح هذا من المسلمين ممن عاش في بلاد أوروبا علي عزت بيجوفتش.
من هنا أعتقد أن الجولات والزيارات والتعرف إلى الثقافات مهم جداً للدعاة المسلمين، وتحصينهم ضد الانبهار الذي أصاب رفاعة رافع الطهطاوي، فرجع مبشراً بالحضارة الغربية. هذه العالمية لا يصلح لها الخطاب الفسيفسائي بتبني صغار المسائل وجعلها مدار الوجود.
أرأيت كيف فسرنا عالمية الشخصية الإبراهيمية بقص الأظافر وحف الشوارب؟ تفسيراً لقوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً) قلنا في التفاسير وغير صحيح ما قيل: إن الكلمات هي ما ذكرت، لن نصبح أئمة للعالم بمثل هذه المسائل، هي سنن على الرأس والعين، لكنها ليست شروط الاستخلاف! وأرجو أن لا يساء فهم كلامي!
الخطة العامة للخطاب الإسلامي
جميل أن ينطلق الخطاب الإسلامي من خطة عامة خمسية أو عشرية، ينطلق منها كما نخطط للزراعة ولاستصلاح الأراضي ينبغي أن نخطط لاستصلاح العقول والقناعات والعلاقات في المجتمع.
وينبغي أن نراجع الخطة كل سنة ماذا أنجزنا وأين العقبات، فقضايا مثل قضايا العنف الاجتماعي، وقضايا مثل قضايا تنظيم اقتصاديات الأسرة. وقضايا من مثل المخدرات، والبطالة، والقضايا التي تشغل بال الناس وتستحوذ على اهتمامهم. وأدعو إخواني في وزارة الأوقاف إلى عقد مؤتمر عام لوضع خطة خمسية للوزارة وبرنامجها الوعظي، في ضوء احتياجات المجتمع الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخلقية والسياسية وغيرها.
خصوصية كل بلد
لكل بلد ظروفه وخصوصياته ومشكلاته ومكوناته وبيئته وعاداته وتعقيداته أيضاً، من هنا فلكل بلد طرحه الخاص ومعالجته الخاصة لمشكلاته. والعبارة الجامعة: «أهل مكة أدرى بشعابها»، لا تعني انفصال المسلمين عن بعضهم، أو عدم الاهتمام بشؤونهم، هذا ما لا يعقل، وإنما المقصود من هذا مراعاة الخصوصية. ومن هنا فإن التجارب لا تستنسخ، ولا تستعاد بالحذافير والتفاصيل، وإنما يستفاد من تجارب الآخرين. ودائماً ما أردد: تجارب الآخرين تغني تجاربنا، ولا تغني عن تجاربنا.
من هنا فإني أرى زي بعض الدعاة في مصر من الذين يقلدون زي المتدينين في بلد آخر يبدو مستهجناً. إن ظروف الدعوة في مكة غير ظروف الدعوة في المدينة مع أنهما في بيئة واحدة جغرافياً وديموغرافياً. وحتى في البلد الواحد قد يختلف جمهور بيئة عن جمهور بيئة أخرى، فقد يكون للجنوب ظروفه، وللغور أحواله، وللبادية مشكلاتها، ويجب مراعاة الخصوصيات، ونواصل.
( السبيل )
ثم موارد الخطاب في القرآن واستعرضنا سورة «ص»، وبينا أهمية الخطاب ودور الكلمة، والصورة من بعد فالثقافة اليوم ثقافة الصورة، وكله خطاب.
واليوم نتكلم عن الخطاب الديني، وهو عمل بشري يعتريه النقص والخلل أو التوفيق، فيحتاج إلى نقد وتقويم وتصويب وتجديد. وهذه بعض الملاحظات على الخطاب الإسلامي:
عالمية الطرح
يجب أن نرتقي بخطابنا إلى العالمية، فنحن لها إن تأهلنا لها، وهل غريب وأول كلمة في القرآن: (الحمد لله رب العالمين)، وأول صفات نبينا: (وما أرسلناك إلى رحمة للعالمين)، وأول مهمات أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي الشهادة على الناس كل الناس: (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس) (كنتم خير أمة أخرجت للناس)، وكلمة الصحابي العملاق ربعي بن عامر الذي لم نعرف عنه إلا هذا الموقف مع رستم وهذه الكلمات، حيث قال لرستم وقد سأله: ما أخرجكم من جزيرتكم؟ قال: «الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة..»
أيها الأحباب الكرام لن ينقذنا من الصَّغَار والسفساف الذي حاصر حياتنا إلا بأن تكبر اهتماماتنا بعالمية الطرح، والذين يشغلوننا بقضايا صغيرة يديرون من حولها معارك كبيرة طاحنة، هؤلاء سيتوقف عبثهم إن كبرت القضية التي يعملون لها. ولا أريد أن أضرب الأمثلة لا بتمبكتو ولا بغيرها.
إن الفكر التافه في غيبتنا تسيَّد وتعملق وأصبح شيئاً مذكوراً، ولكن الشمس إذا طلعت لا أقول تختفي النجوم، ولكن تختفي خفافيش الظلام.
كيف يطمح دعاة الفلسفات والمذاهب كلها أن يطرح كل بضاعته على مستوى العالم، وصاحب البضاعة ذات المواصفات العالمية منزو منطو على نفسه؟
آن أن تغرس هذه الفكرة في النفوس، وأن يطرح الفكر الإسلامي بديلاً عن غثاثات الواقع العالمي الموجودة، لن تكبر الأمة إلا إذا كبر دورها، وأنت دورك في الحياة، وأنت وظيفتك أن تهدي العالمين وتوصل الهدى للعالمين. ووظيفتك أيها المسلم، ويا من تزاول الدعوة بخاصة أن تنشر النور في العالم: (وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس).
عالميتهم حرب للفطرة، وعالميتنا انسجام واستحياء للفطرة واستنقاذ لها.
إن طرح أو عرض فكرة الإسلام العظيم كبديل حضاري ضروري ومهم. ومن أسف أن من أسلم مؤخراً سبقونا إلى هذا العرض وهم روجيه غارودي ومراد هوفمان، وممن طرح هذا من المسلمين ممن عاش في بلاد أوروبا علي عزت بيجوفتش.
من هنا أعتقد أن الجولات والزيارات والتعرف إلى الثقافات مهم جداً للدعاة المسلمين، وتحصينهم ضد الانبهار الذي أصاب رفاعة رافع الطهطاوي، فرجع مبشراً بالحضارة الغربية. هذه العالمية لا يصلح لها الخطاب الفسيفسائي بتبني صغار المسائل وجعلها مدار الوجود.
أرأيت كيف فسرنا عالمية الشخصية الإبراهيمية بقص الأظافر وحف الشوارب؟ تفسيراً لقوله تعالى: (وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً) قلنا في التفاسير وغير صحيح ما قيل: إن الكلمات هي ما ذكرت، لن نصبح أئمة للعالم بمثل هذه المسائل، هي سنن على الرأس والعين، لكنها ليست شروط الاستخلاف! وأرجو أن لا يساء فهم كلامي!
الخطة العامة للخطاب الإسلامي
جميل أن ينطلق الخطاب الإسلامي من خطة عامة خمسية أو عشرية، ينطلق منها كما نخطط للزراعة ولاستصلاح الأراضي ينبغي أن نخطط لاستصلاح العقول والقناعات والعلاقات في المجتمع.
وينبغي أن نراجع الخطة كل سنة ماذا أنجزنا وأين العقبات، فقضايا مثل قضايا العنف الاجتماعي، وقضايا مثل قضايا تنظيم اقتصاديات الأسرة. وقضايا من مثل المخدرات، والبطالة، والقضايا التي تشغل بال الناس وتستحوذ على اهتمامهم. وأدعو إخواني في وزارة الأوقاف إلى عقد مؤتمر عام لوضع خطة خمسية للوزارة وبرنامجها الوعظي، في ضوء احتياجات المجتمع الدينية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية والخلقية والسياسية وغيرها.
خصوصية كل بلد
لكل بلد ظروفه وخصوصياته ومشكلاته ومكوناته وبيئته وعاداته وتعقيداته أيضاً، من هنا فلكل بلد طرحه الخاص ومعالجته الخاصة لمشكلاته. والعبارة الجامعة: «أهل مكة أدرى بشعابها»، لا تعني انفصال المسلمين عن بعضهم، أو عدم الاهتمام بشؤونهم، هذا ما لا يعقل، وإنما المقصود من هذا مراعاة الخصوصية. ومن هنا فإن التجارب لا تستنسخ، ولا تستعاد بالحذافير والتفاصيل، وإنما يستفاد من تجارب الآخرين. ودائماً ما أردد: تجارب الآخرين تغني تجاربنا، ولا تغني عن تجاربنا.
من هنا فإني أرى زي بعض الدعاة في مصر من الذين يقلدون زي المتدينين في بلد آخر يبدو مستهجناً. إن ظروف الدعوة في مكة غير ظروف الدعوة في المدينة مع أنهما في بيئة واحدة جغرافياً وديموغرافياً. وحتى في البلد الواحد قد يختلف جمهور بيئة عن جمهور بيئة أخرى، فقد يكون للجنوب ظروفه، وللغور أحواله، وللبادية مشكلاتها، ويجب مراعاة الخصوصيات، ونواصل.
( السبيل )