عودة القطاع العام

تتمثل جدلية الحياة في قابلية الانتقال من النقيض إلى النقيض ، ففي أحشاء كل حالة يكمن نقيضها الذي ينتظر الفرصة المواتية ليظهر كمفاجأة.
ليس المقصود فقط ما نشهده في الحياة العملية من انتقال شيوعي إلى سلك المخابرات ، أو من قمة المخابرات إلى المعارضة المتشددة ، المقصود أيضاً هو الانتقال من حالة عامة مستقرة استنفدت أغراضها إلى نقيضها.
النظام الرأسمالي في أوروبا هو الذي ولـّد الاشتراكية والشيوعية ، ولكن الشيوعية في روسيا عادت فولدت نظاماً رأسمالياً ، فلكل نظام سلبيات ومساوئ يعتقد البعض أن علاجها في الانتقال إلى النقيض.
في الشركات كما في الدول جدل مستمر بين المركزية واللامركزية ، فالمراقب يستطيع أن يرى ويلمس مساوئ ومشكلات المركزية فيعتقد أن العلاج هو اللامركزية والعكس صحيح.
ونصل أخيراً إلى موجة التحول إلى القطاع الخاص وإدانة سوء إدارة وفساد القطاع العام ، وهو الاتجاه الذي بدأ في عهد تاتشر ببريطانيا وريجان في أميركا ، وانتقل إلى العالم كله ، وبشـّر به صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدرجة جعلت حديث القطاع العام بمثابة تخلف وجمود.
بعد أن ساد نظام القطاع الخاص وظهرت بعض المساوئ وانفجرت بعض الأزمات ، برز من يقول بالعودة إلى القطاع العام أو الانتقال من الرأسمالية إلى الاشتراكية ، كما تدل نتائج الانتخابات في البلدان الديمقراطية.
الدعوة إلى القطاع العام في الأردن محدودة جداً وتقتصر على أفراد متهمين بالتطرف ، وعلى الأقل لا ينتمون إلى التيار الرئيسي في المجتمع.
لكن مجتمعنا ليس بعيداً عن العالم ، وهناك مساوئ وسلبيات وأزمات وفساد يعتقـد البعض أن علاجها يكمن في التوجه الاشتراكي وإعادة بناء القطاع العام ، خاصة وأن مرور الوقت جعل كثيرين ينسون المساوئ والسلبيات التي رافقت نظام القطاع العام وانتهت بأسوأ أزمة اقتصادية وتفاقم للمديونية والخضوع لشروط صندوق النقد الدولي.
ليس هناك نظام خال من السلبيات وشامل للإيجابيات ، لكنا نعتبر الإيجابيات أمراً مفروغاً منه ، ونحمـّل النظام القائم مسؤولية السلبيات اعتقاداً منا بأن نقيضه سيعالج السلبيات التي نشكو منها ، وهو سيعالجها فعلاً ولكنه سيولد سلبيات أخرى خاصة به.
جودة أي نظام اقتصادي أو اجتماعي تتوقف على حسن التطبيق ، وفي كل نظام ناجحون وفاشلون.(الرأي)