سيارة طرابلس المفخخة.. هل بدأت «العرقنة» !

فيما يراهن كثيرون على جيش رياض الأسعد الموصوف بـ «الحر», ويصرفون النظر عن عمد أو قصر نظر, عما تفعله المنظمات التكفيرية والجهادية في بلاد الشام, والتي تعيث فساداً وقتلاً وتستجلب مجموعات من دول عديدة تريد تحويل سوريا الى «أرض جهاد», يدرك المراهنون على الجيش الحُر أو الذين لا هدف لهم سوى اسقاط نظام بشار الاسد, أن الامور ستخرج (إن لم تكن خرجت منذ فترة) من بين ايديهم وأن القرار على الساحة السورية لن يكون قرارهم, وأن ما قدموه من تعهدات لتبديد مخاوف الغرب من سيطرة تنظيم القاعدة واخواته من التنظيمات الجهادية, لا قيمة لها على ارض الواقع ناهيك عن استعداد هؤلاء للمضي قدماً وبعيداً في تقسيم سوريا, عبر اقامة «امارات» جهادية مهما كلف ذلك الشعب السوري من دمار وسفك دماء وتفكيك للدولة والكيان (بالمناسبة.. اخوان سوريا شكّلوا ميليشيا خاصة بهم تحت اسم: مسلحو الاخوان المسلمين).
لا يريد هؤلاء استخلاص الدروس والعبر مما حدث ويحدث في بلاد «الربيع» العربي, الواقعة الان تحت حكم (جماعات) الاخوان المسلمين برطانتهم المعروفة, التي لا تجد لها على ارض الواقع أي دليل ملموس, وكانت حكومة هشام قنديل هي الدليل الابرز عمّا ينتظرنا من وصولهم الى السلطة, زد على ذلك ما باتت تونس عليه في عهد حزب حركة النهضة, الذي اكتشف التونسيون أنه مجرد نسخة أخرى (وإن بخطاب أكثر مرونة) عن حزب بن علي, وأن هدفه في النهاية هو اقامة دولته الدينية متى تسمح الظروف بذلك, ولذلك يواصل تمهيد الطريق لانضاج مناخات واجواء كهذه, حتى لو أدت الى اغضاب شركائه (حزبا المرزوقي وبن جعفر) ولهذا لم تكن مفاجِئة تلك التصريحات الغاضبة التي ادلى بها الرئيس التونسي (المؤقت حتى لا ننسى) المنصف المرزوقي, ملوّحاً بالوقوف ضد أي محاولة لاقامة دولة دينية ما اعتبره مراقبون مؤشراً على اقتراب (الترويكا) التونسية من مرحلة الطلاق (استقال وزيراً المالية والادارة ومحافظ البنك المركزي وقبل ذلك تسليم البغدادي المحمودي لليبيا) بعد ان استأثر «النهضة» بالمشهد على طريق إحكام قبضته على مفاصل الدولة.
ماذا عن ليبيا؟
المشهد المفخخ ذاته لا يختلف, بل ازداد خطورة بعد تفجير السيارة المفخخة امام مكاتب الشرطة العسكرية في طرابلس يوم أمس وهذا يحدث لاول مرة, ما يدعونا لاستحضار تصريحات محمود جبريل بما هو النجم الابرز الان بعد انتخابات الشهر الماضي ونجاحه في وضع تحالف القوى الوطنية الذي قاده في المرتبة الاولى ولكن في غير حسم للمشهد الليبي, بعد ان دخلت البلاد في حال من رفض النتائج ترافقت مع تفجيرات وهجمات مسلحة واغتيالات ولكن كان لافتا انها حدثت في «شرق» البلاد فقط وليس في «غربها» ما يعني ان تفجير طرابلس يوم امس لم يكن عفويا وانما انطوى على رسالة واضحة, لأن الهدف ذا صبغة عسكرية اضافة بالطبع الى ما قد يحمله من اشارات بأن ثمة تنظيم يقف خلف هذا العمل, ما يضع البلاد امام تحول جديد قد يأخذها الى المربع الذي توقعه جبريل نفسه في حديثه الى فضائية العربية (لم تعد الجزيرة ترحب به بعد ان انتقد الدوحة) قائلاً: ان استمرار الاغتيالات والتفجيرات في بنغازي قد يزيد من مخاوف تحويل ليبيا الى عراق او صومال آخر.
ليس بالانتخابات وحدها يمكن لما وصف بالربيع العربي ان يُزْهر وليس بالحملات الاعلامية والاستعانة بحلف شمال الاطلسي او تركيا وبعض العرب (الذين لا يعرفون قيمة اسمها الديمقراطية) يمكن لليبيا او تونس او مصر وخصوصا سوريا, ان تُنْجز مطالب شعوبها المشروعة في الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتنمية وتكريس ثقافة المواطنة ومحاربة الفساد والاستبداد والعسف والتنكيل والاذلال الذي برعت فيها غالبية الانظمة العربية , ولا يكاد المرء يجد فرقا بين نظام واخر, إلاّ في ما تنجح فيه وسائله الاعلامية من تضليل وغسيل أدمغة وكذب, لابعاد انظار الجمهور عن الجرائم والارتكابات التي تقارفها تلك الانظمة الفاسدة والمستبدة. ( الرأي )