حين ينتفض الأيتام في رمضان

يمكن اعتبار موجة الاحتجاجات التي يقوم بها الأيتام في هذه الأيام بمثابة انتفاضة على واقعهم بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني محزنة تهز الوجدان الإنساني، فهؤلاء الذين فقدوا الأم أو الأب أو كلاهما معا هم الأولى بالرعاية التي نصت عليها الكتب السماوية لا أن يتحولوا إلى كتلة من المحرومين الذين يبحثون عن أي وسيلة للفت الأنظار إلى معاناتهم في اقسى صورها واشكالها، على الرغم من وجود هذا العدد الكبير من الصناديق والجمعيات التي لا تحمل عنوانا لها سوى "الأيتام" لكن معظمها يستخدمهم من اجل المتاجرة بالامهم والتظاهر بالحنان عليهم مع ادارة الظهر لكل مشكلاتهم الحقيقية!
الأبلغ حزنا في مشهد الايتام الذي ما زال يتواصل في مسلسلاته الرمضانية ان يكونوا هم السبب الرئيسي في تشييك الدوار الرابع امام رئاسة الوزراء بعد ليلة ذاقوا فيها الامرين لانهم اختاروه عنوانا لهز وجدان الحكومة، إلا انها فضلت ان تعبر على كل اعتصامات الربيع العربي على مدار شهور في ذات المكان، لكنها لم تتحمل ان يهب الايتام عليها مع انهم قد يكونوا الأحق من غيرهم في مطالبهم، فقامت بإغلاق الدوار بالحديد والنار امام الجميع!
إذا ما كان الكبار من الايتام الذين وصلوا الى سن الثامنة عشرة وقذفتهم ما تسمى مراكز رعايتهم جزافا الى الشوارع من بنات وشباب بلا رحمة قادرين على رفع اصواتهم للمطالبة بادنى حقوقهم الانسانية المشروعة، فان من يبلغون هذا السن من صغار الايتام ليسوا بأحسن حالا ما دامت زهرات طفولتهم تذبل كل يوم نتيجة تعامل غير انساني لا يرحمهم باي حال من الأحوال، في الوقت الذي تنفق فيه الملايين من الاموال التي يتم جمعها باسم كفالتهم وتوفير الحياة الكريمة التي تعوضهم عن فقدان الوالدين في شتى المظاهر الاستعراضية التي تتخذ من يتمهم غطاء لمآرب اخرى لا علاقة لها باليتيم من قريب او بعيد!
يواصل الأيتام انتفاضتهم التي يمكن اعتبارها هي الأولى من نوعها على هذا النحو المنظم اجمالا لإدانة الحكومة والمجتمع معا على الإهمال القاسي الذي يتعرضون له، مع ان مطالبهم لا تتعدى ايجاد حلول طارئة لمشكلاتهم الحياتية والانسانية مع مأوى لهم بدلا من الشوارع ومن بينهم فتيات في بدايات الشباب يبحثن كل يوم وليلة عن بيوت تأويهن، وكذلك توفير فرص عمل لهن تساعدهن على تجاوز حالة اليتم والانطلاق الى حياة طبيعية لطالما افتقدوها، على مدار سني عمرهم الغض، كذلك معالجة قضية ارقامهم الوطنية التي من حقهم ان يحصلوا عليها وغير ذلك من احتياجات معيشية في حدودها الدنيا!
لا ندري لماذا تواصل انتفاضة الايتام تفاعلاتها يوما بعد اخر دون ان تجد حلولا عملية وواقعية، مع ان الجهات التي تتولى مسؤوليتها كثيرة ويمكن لها ان تتلاقى عند اتخاذ اجراءات فاعلة لتلبية مطالبهم المشروعة ومتطلباتهم الانسانية، وكذلك الحال مع الصناديق والجمعيات التي تراكم الأموال في خزائنها بذريعة احتضان مآسيهم، والحال ذاته ينسحب على المحسنين من اصحاب الاموال القادرين على احتواء اكثر من حالة واحدة خاصة في عز شهر رمضان الكريم، حيث يبدو انهم لم يسمعوا بالحديث النبوي الشريف "انا وكافل اليتيم هكذا .. واشار باصبعيه السبابة والوسطى". ( العرب اليوم )