الحالة السورية ..أولويات وخيارات

عندما أحرق بوعزيزي نفسه في تونس لم يكن يدرك أو يقصد ولم يخطر بباله أنه إنما أطلق شرارة ثورة ستؤدي بسـرعة لإسقاط نظام حكم كان مستقراً ، متسلطاً ومتخنذقا في جميع مفاصل الدولة.
المئات أو الآلاف الذين تظاهروا أمام الجامع العمري بدرعا قبل 18 شهراً مطالبين بالإصلاح والحرية لم يخطر ببالهم أنهم أطلقوا شرارة صراع دموي مدمر سيدوم طويلاً ، ولا يعرف أحد متى وكيف ينتهي.
ما حدث في سوريا كان في بدايته انتفاضة شعبية سلمية ، ترفع مطالب مشروعة ، لا يستطيع حتى النظام أن يرفضها ، وكان من الطبيعي ان يصطف الرأي العام العربي والعالمي مع شعب يطالب بحريته ويثور ضد الاستبداد والفساد باعتبار ذلك حلقة في سلسلة الربيع العربي الذي كان يتمتع بصورة إيجابية مشرقة.
لكن الأمور اختلفت بعد ذلك ، فلم يعد الصراع سلمياً ، ولم تعد مطالبه الإصلاح والنزاهة والعدل ، بل تحول إلى صراع وطني وإقليمي ودولي ، وأصبح باعتراف جميع الأطراف حرباً مدمرة بالسلاح الخفيف والثقيل ، وهناك تسليح وتمويل عربي وأجنبي ليس لصالح جانب واحد بل لصالح الجانبين مما يطيل أمد المعركة ويحول دون حسمها بهذا الاتجاه أو ذاك.
النظام يستمد الغطاء السياسي والدعم بجميع أشكاله من قوى عظمى دولية روسيا والصين ، وإقليمية إيران ، وفئوية حزب الله ، فضلاً عن حصة يصعب تقدير حجمها من القوى الشعبية الداخلية.
والمعارضة تستمد الغطاء السياسي من الجامعة العربية والأمم المتحدة ودول عظمى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا ، ودول إقليمية كتركيا ودول عربية خليجية وحصة يصعب تقدير حجمها من القوى الشعبية الداخلية.
لم يعد الخيار سهلاً وواضحأً بين شـعب يطالب بالحرية ونظام استبدادي يلجأ للعنف ، بل توفرت أولويات وخيارات أخرى ، ومن هنا نرى الانقسام في الرأي العام العربي ، فالمعارضة تجد دعمأً غير متحفظ من جانب الإخوان المسلمين والسلفيين والمحطات الفضائية ، ويجد النظام دعمأً مشروطأً من قوميين ويساريين وليبراليين يريدون إصلاح النظام وليس تدمير الدولة.
الموقف الرسمي في الأردن وسطي فهو مع الحل السياسي ، والالتزام بالموقف العربي والدولي ، ولكن الأردن واقع تحت ضغط سياسي دولي ، ومالي عربي ، ومحلي إخواني ، لأخذ موقف أكثر حدة وانحيازاً.
في ظل اختلاط الأوراق والقوى الضاغطة فإن انحياز الأردن الصحيح هو لمصالحه الاستراتيجية ، فالامن الوطني أولاً. ( الرأي )