خبراء «ديليفري»!!

من محاصيل الميديا المعولمة، ومنجزات التسطيح وخلط المفاهيم والأوراق، هذا العدد الهائل من خبراء الاستراتيجية والحروب والايديولوجيات الذي لو توفر بشكل حقيقي وفاعل لدى أمة ما لحولها على الفور الى أمة تتنافس الأمم في محاكاتها واستلهام خبراتها، لكن ما حدث للطعام والبيئة وسائر أساليب الهرمنة والسرطنة للعافية البشرية لم تسلم منه الثقافة ولم يكن العقل في منجى منه.
خبراء تيك أوي.. أو ان شئتم كما سماهم قس عربي مثقف خبراء ديليفري يصلون اليك بأسرع مما تتوقع شرط أن يكون ثمن الفاتورة جاهزاً تدفعه لمجرد أن نتسلم الكيس الورقي المبقع بالزيت أو الحبر لا فرق!.
قبل أيام قدم لنا على احدى الشاشات خبير مائي وما ان بدأ يتحدث عن النيل وشجونه الافريقية وما قد يحدث من حروب مائية حتى اضطرنا الى العودة الى كتاب الكيمياء لأحد الصفوف الاعدادية في المدارس كي نتأكد من أن رمز الماء هوHo2 وليس C.N.N أو ما شئتم من هذه التراكيب الثلاثية..
أحدهم هيأنا بخبرته العسكرية عام 1967 وفي زمن الارضيات بالأبيض والأسود أو الأسود والأسود بمعنى أدق لاحتفال في حي العجمي بياناً بالنصر وآخر كان موزعاً بالتساوي بين حروب الخليج الثلاث.. أنذر اسرائيل بالزوال بعد الصاروخ رقم مئة، وثالث شر العرب العودة المظفرة الى زمن الرشيد بحيث يقولون للغيمة أو لبرميل النفط اذهبا حيثما شئتما.. فأنتما عائدان اليّ.
خبراء التيك أوي أو الديليفري جاهزون، وما من طبخة يستغرق اعدادها أكثر من دقائق.
فالمعلبات تملأ الرفوف، والزيت الذي تتصاعد منه الفقاعات يغلي بانتظار ما يقذف اليه، أما نتائج هذه الأطعمة وما تتسبب فيه من غثيان وصداع وأحياناً تسمم فعلى الزبائن احتماله وقبوله لأنهم قرروا الكسل أولاً وأقنعوا أنفسهم بأن من يسمي اللبن يوغورت هو خبير في المجال الغذائي لا يشق له غبار وان من يبرهن على ان الماء يتكون من عنصرين فقط هما الاكسجين والهيدروجين هو خبير مائي يحدد منسوب المطر في الشتاء القادم ونتائج حرب المياه بعد خمسة أعوام.
يضطرنا الى هذه السخرية رغم مرارتها الاستخفاف بنا..
فالمطربة تتحول الى خنساء اذا سئلت عن الوطن وهي التي لا تفرق بين باروكة صفراء وحقل حنطة أو شعير والمذيع الذي تحول الى جزء من المايكروفون يتحدث بالحماس ذاته عن رئيس مخلوع وآخر مزروع وثالث مهووس يدلي برأيه حول الخلايا الجذعية والنظرية النسبية وأسرار القنبلة النووية.. وعلينا ان نقبل وان نهرب اذا شئنا من قناة بنما الى قناة السويس ثم الى قناة الدمع اذا فاض بنا الكيل..
انه عصر التيك أوي والديليفري والمغنية التي تصبغ صوتها والمثقف الذي لا يعرف الفرق بين شبه جزيرة وشبه منحرف!. ( الدستور )