المحافظات في خطاب وسلوك الحراك والحكومات
بعد عام ونصف تقريبا على ظهور الحراكات المطلبية ومرور عقود على تعاقب الحكومات لم يلمس المتابع أن ثمة فرق سياسي وتنموي في محتوى خطاب ومضامين تعامل كليهما مع أهمية المحافظات كروافد غنية ومتنوعة في مسيرة الوطن الاشمل؛ وما الملاحظات العلمية والتحليلية التالية إلا عناوين جديرة بالتحاور والتصويب لواقع المحافظات المّر رؤى وممارسات رسمية وحراكية في آن:-
تؤكد حقيقية الفجوة التنموية الضخمة القائمة بين العاصمة والمحافظات على الإهمال الحكومي القائل بوجود ما يزيد على ثلاثين جيب فقر وأكثر من بطالة آخذتان في الزيادة للأسف،في الوقت الذي خلت فيه كل مطالب الحراكات من أي عنوان تنموي –غير سياسي سلطوي -لإنصاف المحافظات الغنية بمواردها الطبيعية والبشرية وضرورة إعادة توزيع مكتسبات التنمية وفرص التمثيل والمشاركة السياسية على مختلف مناطق المملكة عُوضا عن استئثار بعض مناطق عمان واربد والزرقاء منذ أمد طويل بُجل الاهتمام التنموي والتمثيل السياسي نيابة عن القادة المحلين في المحافظات عموما.
بقيت المحافظات مسرحا للتنافس السياسي فقط بين الحكومات والمعارضين السياسيين الأردنيين كلما تأزم الصراع بينهما في العاصمة كجزء من محاولات كل منهما حسم موقف أو قرار ما من خارج عمان كي يعزز شروط تفاوض كل منهما لاحقا، ويتجلى ذلك في تنازع البعض من الطرفين حكوميين ومعارضين في :- حصة أبناء المحافظات في الدوائر الانتخابية للبادية والمحافظات، والمكارم الدراسية لأبناء المناطق الأقل خدمات وتنمية سواء في المخيمات والبادية أو في الألوية الفقيرة إضافة إلى استثمار القادة الحراكين حقيقة فقر وتدني المستوى التنموي في خارج العاصمة كوسيلة لتأجيج أوار الضغط السياسي على الحكومة في عمان وما شهدناه في الآونة الأخيرة من احتكاكات بين القادة الحزبين القادمين من عمان مع المواطنين في الطفيلة وجرش. تماما مثلما صد المواطنين لرؤساء حكومات في الكرك والطفيلة واربد أيضا وما هذا الموقف المتكررة لمواطني المحافظات مع الحكوميين والمعارضين إلا مؤشرا واضحا على ما ذهب إليه هذا المقال.
حزبيا ؛ وبحدود علمي لم يتخذ أي حزب أردني-غير عمان - المحافظات الأقل تنمية وخدمات مقرا رئيسا له رغم ما تفيض به نشراتهم وخطابات قياداتهم الموسمية من ملامسات خجلى لمطالب التنمية لأبناء الفقر والمحافظات . وكذا الحال عندما ماطلت الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة وما زالا في وضع قانون "اللامركزية الإدارية " موضع التنفيذ كخطوة تشريعية أساس لإنصاف واقع المحافظات المّر ترابطا مع غياب القطاع الخاص فيها.
حتى مؤسسات المجتمع المدني الممولة برامجها الموسمية من السفارات الأجنبية غالبا فأن علاقتها وعملها مع المحافظات والمخيمات علاقة اقرب إلى الاضطرارية والاستغلالية الريعية تكيفا مع شروط تلك السفارات بأن جزء من فعاليتها التوعوية خارج عمان، وحتى وزارة التخطيط واليات جلب التمويل الأجنبي على اسم المحافظات بقيت دون إنفاق تلك المبالغ كاملة في المناطق الأكثر فقرا للأسف.
أخيرا ؛ إن من بين الخطوات الضرورية لإحساس وإيمان المواطن الأردني بجدوى الإصلاح السياسي من منظور حكومي أو حراكي إنما يستلزم أن يشعر المواطن -كونه أداة الإصلاح ووسيلتها- إن الصراع في ظل الربيع العربي ومصاحباته ليس على من سيشغل المقاعد السلطوية حراكيا أو حكوميا وإنما العمل التشريعي والمالي والتنموي الاشمل للارتقاء في مستوى حياة المواطنين خارج العاصمة الحبيبة ولن يتم ذلك دون إطلاق خطط تنموية متسارعة للحيلولة دون انتشار التطرف أو حتى الأفكار الواحدية -لاسمح الله - لخطورة تقبل مثل هذه الأفكار والممارسات اذا ما بقي الوضع على ما هو عليه للان في المحافظات الفقيرة.