النظام يتآكل من داخله

كم من كبار المسؤولين في النظام السوري سينفصل عن النظام ويتهمه بأنه قاتل وإرهابي إذا استطاع أن يفر بأسرته عبر الحدود كما فعل رئيس الوزراء رياض حجاب قبل يومين، وكما صرّح بعد ذلك.
السيد حجاب استطاع الفرار بعد شهرين من إرغامه على تشكيل الحكومة، والعميد مناف طلاس احتاج إلى 15 شهراً ليخرج بأسرته، فهو أب لأربعة صغار، ولدين وبنتين، ولم يخرج من سورية إلا بعد أن ضمن خروجهم معه، فقد انشق فعلياً عن النظام في آذار (مارس) 2011.
وإذا زدنا على ما سبق اشتداد المقاومة المسلحة في دمشق وحلب وسائر أنحاء البلاد، وقتل أربعة من قادة النظام قبل حوالى شهر، نجد أن النظام يتآكل من داخله، وكأن السوس نخر جذع شجرة هذا النظام الذي كان قبل سنتين فقط يبدو ثابتاً في الأرض أو «يا جبل ما يهزك ريح» كما يقول المثل الشعبي والأغنية.
نظام الدكتور بشار الأسد مسؤول عن المصائب التي حلّت بالشعب السوري وبالنظام نفسه، وقناعتي ثابتة (وللقارئ حق أن يرفض رأيي) أن الرئيس السوري كان يستطيع أن يحل المشاكل بعد القتل في درعا، إلا أنه اختار الحل الأمني، أو العنف ضد المواطنين، وفشل هذا الحل شهراً بعد شهر، وزاد المشاكل أضعافاً، وكنت في البداية أرجح أن الرئيس الطبيب سيرى خطأ أسلوبه ويغير، والآن بت أرجح أنه لن يغير ولا يستطيع التغيير، فهو اختار طريق الانتحار السياسي، وسيدفع الثمن مع ألوف الضحايا.
ما سبق لا يعني أن النظام سيسقط غداً أو بعد غد، فعنده من أسباب القوة ما يمكنه من البقاء في المستقبل القريب المنظور، وما يعني زيادة القتل مع تدمير تاريخ سورية في دمشق وحلب وحمص وغيرها.
سواء سقط النظام غداً أو استمر سنة أخرى أصر على أن الشعب السوري وحده صاحب الحق في إسقاط النظام أو إبقائه. لا أحد غير السوريين يقرر مصير النظام في دمشق.
أسجل هذا على خلفية تردد كلام كثير عن المئة يوم الأولى بعد سقوط النظام والتحديات التي ستواجه أي نظام جديد، من صون الوحدة الوطنية إلى إعادة تحريك الاقتصاد الذي سقط ولم يقم فقد توقفت عجلة العمل، مع عقوبات خارجية وحصار زاد من حدة الأزمة.
مرة أخرى، هذه مسؤولية السوريين، لذلك أعترض، كمواطن عربي، على معلومات خلاصتها أن وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين تخططان بصمت للتعامل مع طوفان اللاجئين وصيانة الخدمات الصحية والبلدية الأساسية، وإعادة تشغيل اقتصاد محطم، وتجنب فراغ أمني في فترة ما بعد بشّار الأسد. («نيويورك تايمز» وعدد من المطبوعات الأميركية نقلاً عن مصادر رسمية أميركية).
كل هذه الأمور مهم ويتطلب علاجاً فورياً، إلا أن المهمة سورية وليست أميركية، فنحن لم نجنِ من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط سوى الخراب، وعندنا في العراق مثل واضح، لأن السياسة الأميركية في بلادنا تصنعها إسرائيل لخدمة مصالحها، بالتعاون مع أعضاء مرتشين في مجلسَيْ الكونغرس الأميركي، ما يعني أن أي موقف أميركي حالي إزاء سورية أساسه خدمة إسرائيل ومصالحها، لا الشعب السوري.
ننتظر أن يعود الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض في ولاية ثانية فينجح في فصل السياسة الأميركية والمصالح الاقتصادية والأمنية الأميركية عن دولة عنصرية مجرمة محتلة. ولكن بانتظار ذلك نصرّ على أن يكون السوريون وحدهم مسؤولين عن مستقبل بلادهم.
المطلوب من المعارضة السورية الحذر، وعدم الانسياق وراء وعود من مصادر مشبوهة، وعندي مثلان:
- السناتور جون ماكين، وخبرته الحربية كلها أنه أسِرَ في فيتنام حيث خسرت أميركا الحرب ضد شعب صغير من العالم الثالث، وزميلاه جوزف ليبرمان وليندسي غراهام، والثلاثة من عصابة الشر والحرب، كتبوا محذرين من أخطار عدم التدخل الأميركي في سورية. هم متطرفون أيّدوا الحرب على العراق فقتل مليون عربي ومسلم ولا يرون أنهم لا يزالون يؤيدون السياسة القاتلة نفسها.
- كليفور ماي، رئيس مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، كتب في مجلة «ناشونال ريفيو» وشرح المطلوب بعد سقوط بشار الأسد، وتحدث عن مصالح أميركا، وهي في الواقع مصالح إسرائيلية، فمؤسسته معقل للمحافظين الجدد، والمجلة يهودية ليكودية، ولا خير يمكن أن يأتي للسوريين عن طريق أعداء العرب والمسلمين.
السوريون وحدهم يقررون بقاء النظام أو سقوطه، وما سيفعلون في المئة يوم التالية، وكل يوم بعدها.
( الحياة اللندنية )