القطة المغمضة

ذات مساء فاجأتني برسالتها وجلوسها وحيدة في البيت بغير أهلها الذين كانوا في زيارة للأقارب، أخبرتها أني ظننتها شخصية اجتماعية وتحب الزيارات، ولكنها اشتكت من تعليقات الأقارب الذين يسألونها عن الخطّاب، ولماذا لم ترتبط حتى الآن، ويكون حديث النساء مقصورا على من تزوجت ومن حملت ومن تخانقت مع حماتها، ومن اشترت ومن باعت فتخرج من الجلسة بنفس كئيبة وحسرة وانتظار للفارس المتأخر، مع أنها لو تُركت لنفسها من دون نق وزق لم تكن لتشعر بالمشكلة ولا بالنقص، بل كانت تشعر بالانجاز بشهادتها وعملها وتفوقها، وما كانت لتشعر أنها نصف امرأة، أو نصف أنثى، أو نصف مخلوقة لولا جلسات العلك النسائي!
قلت لها: "لعلك تعلين السقف، والمطالب في انتظار السيد المثالي من كل الجوانب "الجاهز من مجامعيو" -على رأي اخواننا المصريين- فأجابت بالنفي، وقالت إن خُطّاب الهاتف والخُطّاب عن طريق الماما عندما يسمعون بمواصفاتها، على الرغم من جمالها وأخلاقها لا يعودون، فأدركت أن في تأخرها عن الزواج سرا آخرا، وأن الشباب يخافون من تميزها وتفوقها! ويبحثون عن قطة مغمضة يمارسون عليها سلطة السيد، ويذبحون لها القط من اليوم الأول ليفهموها لمن الكلمة الأولى واليد الطولى!
نفهم هذه الممارسات في العقود الخالية، يوم كان عالم المرأة محصورا بين بيت أبيها وبيت زوجها، لا تخرج منهما إلا الى قبرها وانجازاتها في الخدمة والإنجاب! ولكن أن يبحث الشباب المتعلم الذي أصبح يطوف العالم بلمسة الأصبع، عما بحث عنه الآباء الأوائل فهو انكفاء للخلف وعيش للحاضر بنفس الماضي!
وهذا ليس نقدا لجداتنا وأمهاتنا، فلولا أصالتهن ونقاؤهن لما تربينا على أجمل ما فينا من صفات، ولكن في زمن العلم والتكنولوجيا والعولمة والتحديات يحتاج هذا الجيل إلى أكثر مما احتاجه من سبقوه، فالزواج شراكة جسدية ووجدانية وفكرية، والزوج إن لم يجد إشباعاً في هذه النواحي فسيبحث عن غيرها، فلعبة "الباربي" و"عروسة المولد" تجذب اللب ليوم أو شهر أو سنة، ولكن الرجل الذي تعركه الحياة، ويخوض في ميادينها سيحتاج أكثر من الجمال والألوان لاستمرار الارتباط.
لم يبحث الصحابة رضوان الله عليهم عن الجمال بمواصفاته الحالية الخارقة، ولم تورد السيرة أنهم كانوا يرسلون قريباتهم ليستطلعوا لون العيون ومحيط الخصر والطول والعرض! كانت العائلة وفضلها في الاسلام وأخلاق الفتاة ودينها الفيصل في الانتقاء، ثم تأتي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اذهب فانظر إليها، لعله أن يؤدم بينكما"، لتجمع بين خيار العقل وهوى القلب.
فخديجة كانت سيدة معروفة في قومها، ولكن ذلك لم يمنع محمد بن عبدالله الشاب الصادق الأمين في قومه من أن يرغب في الزواج منها، فكان زواجا خالدا، وأعطته خديجة ما لم تعطه غيرها من النساء من العون والسند، وبذلت له حياتها ومالها، فما كان من رسول الله إلا أن نصب راية النصر في فتح مكة عند قبرها؛ إعلاماً لفضلها، وإحياءً لذكرها.
حتى عائشة الشابة رضي الله عنها كانت متوقدة القلب والعقل، وكانت تناقش وتجادل وتغضب، وتأخذ المواقف، وكانت مع ذلك أحب نساء الرسول الى قلبه، وورثت عنه بصفاتها المميزة نصف علم الدين.
ومن غير أمهات المؤمنين يحفل التاريخ بنساء شغلن الدنيا ذكرا وشجاعة وتميزا، وما ورد أنهن بقين عانسات لم يجدن فارسا، بل خلدن في التاريخ رائدات قائدات عظيمات بجانب رجال عظماء، ساهموا في توفير الظروف لتزداد نساؤهن جمالا في العقل والمنطق على جمال الوجه وطيب العشرة، لم يشعر هؤلاء الرجال بالتهديد أو عدم الثقة أو التواري وراء الأضواء؛ لارتباطهم بنساء مميزات، بل رأوه جزءاً من واجبهم وكمال رعايتهم نسائهم أن يساهموا في بلوغهن هذه المنازل.
من الرجال من يبحث عن نصفه الحلو فقط، وذلك انعكاس لاهتماماته، ومنهم من يبحث عن من تكمل له دنيه ودنياه وتعينه على مزيد من الرقي والامتداد الذي جعله يفكر في ترك العزوبية أصلا من أجل المسؤولية الجميلة التي تكون فيها قرة العين
الفارس، يبحث عن الفرس الأصيلة، والصائغ يبحث عن أغلى المجوهرات فأي الرجال أنت؟ خياراتك في زوجتك تمثلك فانظر لنفسك ماذا تختار. ( السبيل )