في السِّلاح والتَسَلُح

تم نشره السبت 11 آب / أغسطس 2012 12:58 مساءً
في السِّلاح والتَسَلُح
جواد البشيتي

"السِّلاح".. كُلُنا نَعْرِف ما هو "السِّلاح"؛ لكنَّها معرفة يخالطها كثير من "الجهل"، و"الوهم"، و"الخرافة"، و"الخطأ"، و"سوء الفهم".
 الخلل في طريقة التفكير، الذي بعضه ليس "خللاً"، وإنَّما "طريقة في التفكير" تَسْتَصْلِحها مصلحة طبقية سيئة من وجهة نظر طبقية أخرى، هو الذي يقود "ليبرالياً" إلى استنتاج مؤداه أنَّ "العصا"، أيْ كل عصا، من "الرأسمال"؛ فهو فَهِم كل أداة عمل تُمْسِك بها يد إنسان، وتستعملها في إنتاج (أو الحصول على) شيء يلبِّي له حاجة، كحاجته إلى الطعام، على أنَّها "رأسمال"؛ و"العصا" كانت "أداة عمل" في يد الإنسان البدائي (حتى القردة تستعمل العِصي).
 هذا "الليبرالي" ليس له مصلحة في أنْ يَفْهَم أنَّ "الرأسمال" يشتمل- حتماً- على "أدوات عمل"؛ لكن ليس منطقياً أنْ نستنتج من ذلك أنَّ كل أداة عمل يجب أنْ تكون "رأسمالاً".
 ولَمَّا سُئِل "ليبراليٌ" آخر "ما هو العبد؟"، أجاب على البديهة قائلاً إنَّه الرَّجُل الزنجي؛ فهو رأى عبيداً من الزنوج، فاستنتج أنَّ كل زنجي عبد (أيْ يجب أنْ يكون عبداً)!
 إنَّ "السِّلاح"، كسائر الأشياء، لا يمكن فهمه إلاَّ بصِلته المتبادلة مع غيره؛ فالسِّلاح خَيْرٌ- مثلاً- إذا ما كان في أيدي الثوَّار السوريين، وشَرٌّ في يد بشار الأسد.
 و"الحرب" كالسِّلاح يجب أنْ تُفْهَم فَهْماً نسبياً؛ فهناك من "المسالمين"، و"الكهنة"، و"كارهي الحرب" من فَهِم الحرب على أنَّها النِّتاج الحتمي للسِّلاح، وجوداً وانتشاراً؛ فقال إنَّ حَظْر صُنْع وحيازة (واستعمال) السِّلاح هو الطريق إلى مَنْع الحرب، والقضاء عليها؛ وكأنَّ البشر يخوضون الحروب، ويلجأون إليها، لكونهم "مسلَّحين"، أيْ يَمْلِكون أسلحة (كانت قليلة أو كثيرة).
 إنَّ البشر لا يخوضون الحرب لكونهم يملكون أسلحة؛ فَهُم يصنعون الأسلحة، ويتسلَّحون، عندما تشتد الحاجة لديهم إلى خوض الحرب؛ فَلِمَ نَضْرِب صفحاً عن هذا السبب الحقيقي للحرب؟!
 وهؤلاء أنفسهم يَبْدُون عُشَّاقاً لـ "نَزْع السِّلاح"؛ لكنَّهم يَضْرِبون صفحاً-أيضاً- عن "التناقض" الذي ينطوي عليه مسعى "نزع السلاح"؛ فأنتَ ينبغي لكَ أنْ تتسلح قَبْل، ومن أجل، نَزْع السِّلاح من يد غيركَ؛ فبالسِّلاح يُنْزَع السِّلاح؛ ولَمْ نرَ في التاريخ إلاَّ ما يَصْلُح دليلاً على أنَّ المدجَّج بالسِّلاح هو الذي يتولَّى نزع السلاح من يد غيره (الأقل تسلُّحاً).
 الخصمان المسلَّحان قد يتَّفِقا (إذا ما اقتضت مصلحتهما) على خَفْض متبادَل لتسلُّحهما؛ لكنَّهما لن يتَّفِقا أبداً على النَّزْع المتبادَل التام للسِّلاح؛ وسوف يظل كلاهما يسعى إلى التفوق في تسلُّحه على الآخر.
 ولو نَظَرْتُم إلى "الدولة" بعيون لا تغشاها أوهام ليبرالية ومثالية لبَانَت لكم على حقيقتها؛ فهي، في جوهرها، لا تَعْدو كونها جماعة منظَّمة من الرِّجال المسلَّحين، تحتكر السِّلاح، وتَحْظر على الشعب حيازته، لتُحْسِن الدِّفاع عن مصالح فئة ضئيلة من أبناء المجتمع؛ وهذه المصالح هي، على وجه العموم، غير متصالحة مع مصالح الغالبية العظمى من أبناء المجتمع نفسه؛ فإنَّ نزع السلاح (بقوة السِّلاح) من أيدي الشعب هو جوهر "التسلُّح الشرعي"، أيْ تسلُّح "الدولة".
 وفي زماننا، أصبح لمالكي صناعة السلاح من الأفراد والعائلات مصلحة في بقاء وازدهار هذه الصناعة، وفي زيادة مبيعاتها؛ فرَأيْنا كثيراً من الحروب تَنْشب وكأنْ لا أصل لها، أو أساس، في "السياسة"؛ فشركات السِّلاح الكبرى تُشْعِل، وبمساعدة حكوماتها، الحروب من أجل زيادة مبيعاتها من الأسلحة؛ أمَّا إذا خشيت حكوماتها ودولها عواقب حرب ما فإنَّهم يكتفون بـ "أزمة مسيطَر عليها"، وتظل، مهما تفاقمت، من دون الحرب؛ لكنَّها تشدِّد الحاجة لدى طرفيها، أو أطرافها، إلى مزيدٍ من التسلُّح.
 وتحتاج شركات السلاح إلى بيع منتجاتها المتقادمة؛ فالمخازِن يجب أنْ تُفرَّغ في استمرار، والمنتجات (الأسلحة) المتراكمة يجب أنْ تعود إلى أصحابها نقوداً؛ وإنَّ أسوأ خسارة يمكن أنْ يتكبدها هؤلاء هي إتلاف هذه المنتجات والتخلص منها؛ فليس من الذكاء الاستثماري أنْ يضيفوا إلى كلفة إنتاج السلاح كلفة إتلافه والتخلص منه!
 وثمَّة من العرب من "تطوَّع" لحلِّ هذه "المشكلة"؛ فهو يشتري، وبثمن باهظ، هذه الأسلحة المتقادِمة، مُجَنباً مالكها الخسارة المتأتية من إتلافه لها، وتخلصه منها! ( العرب اليوم )



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات