مجزرة رفح.. من المستفيد؟

شكلت مجزرة رفح -التي وقع ضحيتها ستة عشر شهيداً من قوات الأمن المصريين وعدد من المصابين- صدمة وفاجعة لكل إنسان مخلص لأمته العربية، ومهما بلغت لغة الاستنكار والشجب للجريمة البشعة، إلا أنها تبقى لا تعكس الشعور الحقيقي، فمنذ متى تشكل القوات المصرية سواء القوات المسلحة أو القوة الأمنية هدفاً لأي حزب أو تنظيم أصيل، يهدف إلى تحرير فلسطين وما يتطلبه من مقاومة لقوات الاحتلال، فالهدف هو دائماً ثابت وواضح ولا لَبس فيه، وهي قوات الاحتلال الصهيونية.
وقد شكلت المفاجأة الأخرى الصادمة لنا جميعاً، محاولة بعض المحللين أو القوى إلصاق هذه الجريمة بالفلسطينيين، حتى حدا بأحد المحللين العسكريين إلى توجيه التهم الجائرة بحق جميع الفلسطينيين؛ كونهم يتأمرون مع أمريكا و»إسرائيل» بهدف توسيع مساحة قطاع غزة على حساب سيناء.
ويبقى السؤال أيضاً: لمصلحة من هذه الهجمة الشرسة بحق الشعب الفلسطيني وقواه السياسية التي تعاني من حصار جائر منذ سنوات في ظل صمت عربي ودولي، فهل الشعب الفلسطيني وفصائله بحاجة لكسب مزيد من الخصوم والأعداء، وهل من المعقول أو المنطق أن تقوم الفصائل الفلسطينية أو إحداها باستهداف القوات المصرية في ظل ظروف قاسية تمر بها القضية الفلسطينية سواء على الصعيد المحلي أو الإقليمي أو الدولي في الوقت التي هي بأمس الحاجة لتشكيل جبهة عربية لإعادة القضية إلى سلم الأولويات، وخاصة في المحافل الدولية بعد أن تراجعت إلى أدنى اهتمامات العالم العربي الإسلامي والدولي. إن من يقوم بعملية كهذه لا بد أن يحقق أهدافاً سياسية وعسكرية، والأطراف التي قد يتم الإشارة إليها بأصابع الاتهام بأنها تقف وراء هذه الجريمة هي:
أولاً: الفصائل الفلسطينية (فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية)، إن هدف جميع الفصائل الفلسطينية هو تحرير فلسطين وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وهذا أضعف الإيمان، وهذا الهدف لا يمكن تحقيقه دون الدعم السياسي، والمعنوي والاقتصادي للدول العربية وعلى رأسها مصر، فهل من المعقول إذن أن تسعى أي من الفصائل أو القوى الفلسطينية لكسب عداء أكبر دولة عربية تشكل عمقاً سياسياً وجغرافياً لفلسطين وخاصة قطاع غزة.
وهل يمكن لأي من الفصائل الفلسطينية التي تعاني من جريمة حرب مستمرة تتمثل في فرض العقوبات الجماعية عبر الحصار القائم على قطاع غزة منذ سنوات والدولة الوحيدة التي تساهم في التخفيف من آثار الحصار على الشعب وهي مصر أن يتم استهدافها وبالتالي إحكام الحصار كما حصل. إذن فالنتيجة أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون إحدى الفصائل الفلسطينية تقف وراء هذه المجزرة مهما كانت خلفياتها الفكرية والسياسية.
ثانياً: «إسرائيل»
إن الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين الذي يرتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية؛ بهدف تركيع وإذلال الشعب الفلسطيني وفرض إرادته على إرادة الشعب المصممة على نيل الاستقلال والتحرر، بدأ يشعر على الصعيد السياسي أن مشروعية احتلاله للأراضي المحتلة منذ عام 1967 بدأت تتهاوى دولياً، سوء ذلك على الصعيد الرسمي أو الشعبي من خلال حملات التضامن الدولية مع الشعب الفلسطيني وكسر الحصار، ولم يسره أن يأتي نظام ديمقراطي ورئيس لمصر منتخب انتخاباً حراً ونزيهاً، يتفق فكرياً مع حركة حماس ويبدأ أول خطواته بفتح معبر رفح لساعات طويلة يومياً.
كما أن النظام الجديد في مصر مرشح لتفعيل دوره لتحقيق المصالحة الفلسطينية، وإنهاء الانقسام بين الضفة الغربية من نهر الأردن وقطاع غزة، هذا الانقسام الذي لم يخدم ولا يخدم بقاءه إلا الكيان الصهيوني.
لذا فإن مصلحة دولة الاحتلال الصهيوني تكمن في:
- نسف العلاقة الأخوية بين حماس وحلفائها في قطاع غزة والرئيس الصري والحكومة المصرية الجديد؛ بهدف ترسيخ الحصار وترسيخ الانقسام.
- احراج الرئيس المصري وحكومته؛ عبر إظهار الضعف وعدم القدرة على حماية سيناء، بل حماية قواته في أراضيه.
- إجبار الرئيس المصري والحكومة المصرية على تأكيد التزامها بـ»كامب ديفيد»، واستئناف شكل من أشكال الاتصالات مع قادة الكيان الصهيوني.
- العمل على بث روح العداء والكراهية للفلسطينيين لدى الشعب المصري، وتصويرهم أنهم أعداء لمصر وشعبها الطيب العظيم. لذا فإن المستفيد الوحيد من وراء هذه المجزرة هي دولة الاحتلال وأجهزتها، وما الأدوات التي نفذت العملية إلا بتوجيه مباشر أو غير مباشر من أجهزة الموساد وعملائها.
فالمطلوب مزيد من التروي من النظام المصري، وإعلامه قبل أن نندم ولكن بعد فوات الأوان. ( السبيل )